نصفُ المنفعةِ، أو رُبُعِها الأولِ كان للأولِ الربعُ، وللثاني ثلاثةُ أرباعِ المنفعةِ المستحَقَّةِ، والأولُ ليس بغاصبٍ؛ بل هو كالمستأجِرِ؛ بل أَوْلى، فهنا للفقهاءِ ثلاثةُ أقوالٍ:
أحدُها: الزرعُ للمزدرعِ، وعليه الأجرةُ.
والثاني: الزرعُ لربِّ الأرضِ، وعليه ما أنفَقَه الأولُ على زرعِه.
وهذان القولانِ معروفانِ فيمن زرَعَ أرضَ غيرِه بغيرِ إذنِه، وهذا ليس هو غاصبًا؛ لكن بمنزلةِ أنه مما يعد زرَعَ في أرضِ الغيرِ بغيرِ إذنِهِ، فهو كما لو اتَّجَر في مالٍ يظنُّه لنفْسِه، فبان أنه لغيرِه.
وفي هذه المسألةِ قولٌ ثالثٌ، قضَى عمرُ في نظيرِه؛ وهو أصَحُّها، فإنه كان قد اجتَمعَ عندَ أبي موسى مالٌ للمسلمِينَ، يريدُ أن يرسلَه إلى عمرَ، فمَرَّ به ابنا عمرَ، فقال: إني لا أستطيعُ أن أُعطِيَكُما شيئًا، ولكنْ عندي مالٌ أريدُ حملَه إليه، فخُذاه اتَّجِرا به، وأعطوه مثلَ المالِ، فيكون قد انتفَعْتُما، والمالُ حصَلَ عندَه معَ ضمانِكُما له، اشتَريا به بضاعةً، فلما قدِمَا على عمرَ قال: أكلَّ العَسْكرِ أقرَّهم مثلَ ما أقرَّكما؟ فقالا: لا، فقال: ضَعَا الربحَ كلَّه في بيت المالِ، فسكَتَ عبدُ اللهِ، وقال له عُبَيدُ اللهِ: أرأيتَ لو ذهَبَ هذا المالُ؛ أما كان علينا ضَمانُه؟ قال: بلى، فقال: كيفَ يكونُ الربحُ للمسلمِينَ، وعلينا ضمانُه؟ فوقَفَ عمرُ، فقال له الصحابةُ: اجعَلْه مضاربةً بينَهما وبينَ المسلمِينَ، لهما نصفُ الربحِ، وللمسلمِينَ النصفُ، فعمِلَ عمرُ ذلك (١).