للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما على قولِ مَن يقولُ: إنه يحِلُّ؛ فكذلك هنا على الصحيحِ من قولَيِ العلماءِ؛ لأن الوارثَ الذي ورِثَ المنفعةَ؛ عليه أجرةُ تلك المنفعةِ التي استوفاها؛ بحيثُ لو كان على الميتِ ديونٌ لم يكُنْ للوارثِ أن يختصَّ بمنفعةٍ، ويزاحمَ أهلَ الدَّينِ بالأجرةِ؛ بناءً على أنها من الديونِ التي على الميتِ، كما لو كان الدَّين ثمنَ مبيعٍ نافذٍ، بمنزلةِ أن تنتقلَ المنفعةُ إلى مشترٍ أو مُتَّهبٍ؛ مثلُ: أن يبيعَ الأرضَ، أو يَهَبَها، أو تورَثَ عنه، فإن الأرضَ من حينِ الانتقالِ تلزَمُ المشتريَ والمُتَّهَبَ والولدَ؛ في أصحِّ قولَيِ العلماءِ، كما عليه عملُ المسلمِينَ، فإنهم يُطالِبونَ المشتريَ والوارثَ بالحِكْرِ قسطًا، لا يطلبونَ الحِكْرَ جميعَه من البائعِ أو تَرِكةِ الميتِ، وذلك لأن المنافعَ لا تستقِرُّ الأجرةُ إلا باستيفائها، فلو تلِفتِ المنافعُ قبلَ الاستيفاءِ؛ سقَطتِ الأجرةُ باتِّفاقٍ، ولهذا كان مذهَبُ أبي حنيفةَ وغيرِه أن الأجرةَ لا تُملَكُ بالعقدِ؛ بل بالاستيفاءِ، ولا تُملَكُ المطالبةُ إلا شيئًا فشيئًا، ولهذا قال: إن الإجارةَ تنفسِخُ بالموتِ.

والشافعيُّ وأحمدُ وإن قالا: تُملَكُ بالعقدِ، وتُملَكُ المطالبةُ بها إذا سلَّمَ العينَ؛ فلا نزاعَ أنها لا تسقطُ إلا باستيفاءٍ (١)، ولا نزاعَ أنها إذا كانت مؤجلةً؛ لم تُطلَبْ إلا عندَ محلِّ الأجلِ، فإذا كُلِّف الوارثُ أن يُعجِّلَ الأجرةَ التي لم تجبْ إلا مؤخَّرةً، معَ تأخيرِ استيفاءِ حقِّه من المنفعةِ؛ كان هذا ظالمًا له، مخالِفًا للعدلِ الذي هو مَبْنى المعاوضةِ، وإذا لم يرْضَ الوارثُ بأن تجبَ عليه الأجرةُ، وقال المؤْجِرُ: أنا ما


(١) في (ك) و (ع): بالاستيفاء. وفي مجموع الفتاوى: باستيفاء المنفعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>