للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسلمُ إليك المنفعةَ لتستوفيَ حقَّكَ منها، فأوجَبْنا عليه أداءَ الأجرةِ حالَّةً من التَّرِكةِ معَ تأخيرِ المنفعةِ؛ تبيَّنَ ما في ذلك من الحَيْفِ عليه.

وأما إذا كان المؤْجِرُ وقفًا؛ فهنا ليس للناظرِ تعجيلُ الأجرةِ كلِّها؛ بل لو شرَطَ ذلك لم يجُزْ؛ لأن المنافعَ المستقبلةَ إذًا لم يملِكْها، ويملكُ أجرتَها مَن يحدثُ في المستقبلِ، فإذا تعجَّلَتْ من غيرِ حاجةٍ إلى عمارةٍ؛ كان ذلك أخذًا لما لم يستحِقُّه الموقوفُ عليه الآنَ.

وأجابَ: لا يلزمُهم تعجيلُ الأجرةِ في أصحِّ قولَيِ العلماءِ؛ لا سيَّما إذا كان المستأجَرُ حبسًا؛ فإن تعجيلَ الأجرةِ في الحبسِ لا يجوزُ؛ إلا لعمارةٍ ونحوِها؛ لأن منافعَ الحبسِ يستحِقُّها الموقوفُ عليه بطنًا بعدَ بطنٍ، وكلُّ قومٍ يستحِقُّونَ أجرةَ المنافعِ الحادثةِ في زمانِهم، فإذا تسلَّفوا المستقبلَ؛ كانوا قد أخَذوا ما لم يستحِقُّوه من الوقفِ؛ وهذا لا يجوزُ.

لكن إذا طُلِب من الوَرَثةِ ضمينًا؛ فلهم ذلك، معَ أنه لو لم يكُنْ وقفًا لم تحلَّ الأجرةُ على قولِ مَن يقولُ: لا يحِلُّ الدَّينُ المؤجلُ بالموتِ، وكذا على قولِ مَن يقولُ: يحِلُّ؛ في أظهرِ قوليهم، أو يُفرِّقونَ بينَ الإجارةِ وغيرِها (١)، كما يُفرِّقونَ في الأرضِ المحتكَرةِ إذا بِيعَتْ أو وُرِّثتْ، فإن الحِكْرَ يكونُ على المشتري والوارثِ، وليس لهم أخذُه مِن البائعِ وتَرِكةِ الميتِ؛ في أظهرِ قَولَيهم، واللهُ أعلمُ (٢).


(١) في الأصل: وغيره. والمثبت من (ز).
(٢) ينظر أصل الفتوى من قوله: (ومَن استأجَرَ أرضًا فمات … ) إلى هنا في مجموع الفتاوى ٣٠/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>