للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الألفاظِ دلالتُها على مرادِ الناطقينَ بها، فنحن نرجع (١) في معرفةِ كلامِ الشارعِ إلى معرفةِ لغتِه وعرفِه وعادتِه، وكذلك في خطابِ كلِّ أمةٍ وكلِّ قومٍ، فإذا تخاطبوا بينَهم في البيعِ والإجارةِ، أو الوقفِ، أو الوصيةِ، أو النَّذْرِ، أو غيرِ ذلك بكلامٍ: رُجِع في (٢) معرفةِ مرادِهم إلى ما يدلُّ على مرادِهم من عادتِهم في الخطابِ، وما يقترِنُ بذلك من الأسبابِ.

وأما أن نجعلَ نصوصَ الواقفِ أو نصوصَ غيرِه من العاقدينَ كنصوصِ الشارعِ في وجوبِ العملِ بها؛ فهذا كفرٌ باتِّفاقِ المسلمِينَ؛ إذ لا أحدَ يُطاعُ فيما يأمرُ به من البشرِ بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

والشروطُ إن وافقَتْ كتابَ اللهِ؛ كانت صحيحةً، وإن خالفَتْه؛ كانت باطلةً، كما ثبَتَ عنه أنه قال: «من اشترطَ شرطًا ليس في كتابِ اللهِ فهو باطِلٌ، وإن كان مائةَ شرطٍ» (٣)، وهذا الكلامُ حكمُه ثابتٌ في البيعِ والإجارةِ والوقفِ وغيرِه باتِّفاقِ الأئمَّةِ؛ إذ الأخذُ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السببِ.

فإذا شرَطَ فعلًا محرمًا ظهَر أنه باطلٌ؛ فإنه لا طاعةَ للمخلوق في معصيةِ الخالقِ، وإن شرَطَ مباحًا لا قربةَ فيه كان أيضًا باطلًا؛ لأنه شرَطَ شرطًا لا منفعةَ فيه، لا له ولا للموقوفِ عليه، فإنه في نفْسِه لا ينتفعُ إلا بالبِرِّ والتقوى.


(١) قوله (نرجع) سقطت من الأصل. والمثبت من (ك) و (ز).
(٢) في الأصل: على. والمثبت من (ك) و (ز).
(٣) رواه البخاري (٤٥٦)، ومسلم (١٥٠٤) من حديث عائشة رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>