وأما بذلُ المالِ في مباحٍ في حياتِه؛ فله فيه منفعةٌ، أما بعدَ الموتِ فالواقفُ والموصي لا ينتفعانِ بما يفعلُ الموصى له والموقوفُ عليه من المباحاتِ في الدنيا، ولا يُثابانِ على بذلِ المالِ في ذلك في الآخرةِ، فيكونُ منفِقًا للمالِ في الباطلِ، وهذا مُسخَّر مُعذَّبٌ.
وإذا كان الشارعُ قد قال:«لا سَبَقَ إلا في خفٍّ، أو حافرٍ، أو نصلٍ»(١)؛ فلم يُجوِّزْ بذلَ الجُعْلِ بشيءٍ لا يُستعانُ به على الجهادِ وإن كان مباحًا، وقد يكونُ فيه منفعةٌ، كما في المصارعةِ والمسابقةِ على الأقدامِ، فكيفَ ببذلِ العوضِ المؤبدِ في عملٍ لا منفعةَ فيه، لا سيَّما والوقفُ مُحبَّسٌ مؤبدٌ؟! فيكونُ في ذلك ضررٌ على حبس الوَرَثةِ وسائرِ الآدميين بحبسِ المالِ عنهم بلا منفعةٍ حصَلتْ لأحد، وفي ذلك ضررٌ على المتناوَلِينَ باستعمالِهم في عملٍ هم فيه مُسخَّرونَ، يعوقُهم عن مصالحهم الدينيةِ والدنيويةِ بلا فائدةٍ تحصُلُ، لا له ولا لهم.
وقد بسَطْنا الكلامَ في هذه القاعدةِ في غيرِ هذا الموضعِ.
إذا عُرِف ذلك: فقراءةُ القرآنِ كلُّ واحدٍ على حِدَتِه؛ أفضلُ من قراءتِه مجتمعينَ بصوتٍ واحدٍ، فإن هذه تُسمَّى قراءةَ الإدارةِ، وقد كرِهَها طوائفُ من أهلِ العلمِ؛ كمالكٍ وطائفةٍ من أصحابِ الإمامِ أحمدَ وغيرِهم، ومَن رخَّصَ فيها - كبعضِ أصحابِ أحمدَ - لم يقُلْ: إنها أفضلُ من قراءةِ الانفرادِ؛ يحصُلُ لكلِّ واحدٍ جميعُ القراءةِ، وأما هذه