السلعةَ؛ لأنه اشتراها شراءً شرعيًّا، أو لأنه ورِثَها؛ كان كلامًا صحيحًا، ولا يلزمُ من ذلك أن يكونَ الملكُ منتفيًا في كلِّ موضعٍ انتفى فيه البيعُ، أو الإرثُ؛ لأن الملكَ له أسبابٌ متعددةٌ.
وكذلك الطهارةُ؛ إذا كان لها سببانِ، فعلَّلَ الشارعُ طهارةَ بعضِ الأعيانِ بسببٍ؛ كانَ ذلك كلامًا صحيحًا، ولا يلزمُ منه أنَّ ما انتفى عنه هذا السببُ يكونُ نجِسًا، فقولُه في الهرِّ:«إنَّها منَ الطوَّافينَ»(١) دليلٌ على أنَّ الطوافَ سببُ الطهارةِ، فإذا انتفى فيما هو سببٌ فيه زالت طهارتُه، وقد تثبتِ الطهارةُ بغيرِه وهو الحِلُّ؛ كطهارةِ الصيدِ والأنعامِ، فإنها طيبةٌ منَ الطيباتِ التي أباحها اللهُ، فلا يُحتاجُ إلى تعليلِ طهارتِها بالطوافِ، فإنَّ الطوافَ يدلُّ على أن ذلك ليدفعَ الحَرَجَ في نجاستِها.
وقولُه:«الماءُ طَهورٌ، لا يُنجِّسُه شيءٌ»: فقد يقالُ فيه أولًا: قد يكونُ المقصودُ وصفَ الماءِ بكونِه طَهورًا، وبكونِه لا يُنجِّسُه شيءٌ، فيكونُ صفةً بعدَ صفةٍ، ليس المقصودُ جعلَ إحداهما علةً للأخرى، ووَصْفُه بهاتينِ الصفتينِ يبيِّنُ به مفارقتَه للبدنِ والثوبِ ونحوِهما من هذينِ الوجهينِ، من جهةِ أنه طَهورٌ، وأنه لا يُنَجِّسُه شيءٌ، وإذا لم يعلَّلْ نفيُ النجاسةِ بكونِه طَهورًا لم يوجبْ ذلك حصولَ النجاسةِ فيما ليسَ بطَهورٍ بمجرَّدِ الملاقاةِ، فإذا أمكنَ أن تكونَ هذه عِلتينِ لجوازِ استقائِهِ منَ البئرِ لم يجبْ أن يقالَ: إن أحدهما علةٌ للأخرى؛ بل كان قولُه: «لا يُنجِّسُه
(١) رواه أحمد (٢٢٥٢٨)، وأبو داود (٧٥)، والترمذي (٩٢)، والنسائي (٦٨)، وابن ماجه (٣٦٧)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنها.