للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيءٌ» كقولِه: «الماءُ لا يُجنِبُ»، وهناك ما علَّل انتفاءَ الجنابةِ عنه بكونِه طَهورًا، فكذا هنا لم يعللِ انتفاءَ النجاسةِ عنه بكونِه طَهورًا؛ بل هناك علَّلَ جوازَ استعمالِه لسُؤْرِها بأن الماءَ لا يُجنِبُ، وهنا علَّلَ جوازَ توضُّئِه من بئرِ بُضاعةَ: بأن الماءَ لا ينْجُسُ، وزادَ معَ ذلك أن الماءَ طَهورٌ، وهذا بيِّنٌ لمن تأمَّلَه، بل هو ظاهرُ الحديثِ.

ويبين ذلك: أنه قد سمَّى الترابَ طَهورًا في نجاستي الحدَثِ والخَبَثِ، فقال: «جُعِلتْ لي الأرضُ مسجدًا، وتُرْبتُها طَهورًا» (١)، وقال في النعلينِ: «فلْيَدلكْهما بالترابِ؛ فإن الترابَ لهما طَهورٌ» (٢)، ومعَ هذا فالترابُ وغيرُه من أجزاءِ الأرضِ في النجاسةِ سواءٌ؛ لا فرقَ بينَ الترابِ وغيرِ ذلك؛ إذا ظهَرتْ فيه النجاسةُ كان نجِسًا، وإذا زالتْ بالشمسِ ونحوِها، فإمَّا أن يقالَ: تزولُ مطلقًا، أو لا تزولُ مطلقًا، لم يُفرَّقْ بينَ الترابِ والرملِ وغيرِهما من أجزاءِ الأرضِ، كما فرَّقَ بينَهما من فرَّقَ في طهارةِ الحدثِ، بل قد احتجَّ مَن يقولُ بزوالِها بحديثِ البخاريِّ: «كانت الكلابُ تُقبِلُ وتُدبِرُ وتبولُ في مسجدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا يرُشُّونَ من ذلك شيئًا» (٣)، والمسجدُ كان فيه ترابٌ وغيرُه.

فإذا كان قولُه: «فإن الترابَ لهما طَهورٌ» صريحًا في التعليلِ، ولم يخصَّ الترابَ بذلك: فقولُه في الماءِ: إنه «طَهورٌ لا يُنَجِّسُه شيءٌ» أَوْلى


(١) رواه مسلم (٥٢٢)، من حديث حذيفة رضي الله عنه.
(٢) رواه أبو داود (٣٨٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (١٧٤)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>