أن لا يُخَصَّ بذلك؛ لكن هل يقالُ إن غيرَ الماءِ يشارِكُه في إزالةِ النجاسةِ كما شاركَ ما ليسَ بترابٍ الترابَ، هذا فيه نزاعٌ مشهورٌ.
وللعلماءِ في إزالةِ النجاسةِ بغيرِ الماءِ ثلاثةُ أقوالٍ:
يجوزُ مطلقًا؛ وهو قولُ أبي حنيفةَ، وروايةٌ عن أحمدَ.
وقيل: لا يجوزُ مطلقًا؛ كقولِ الشافعيِّ، والظاهرِ عن أحمدَ.
وقيل: يجوزُ عندَ الحاجةِ؛ وهو قولٌ ثالثٌ في مذهبِ أحمدَ، كما قيلَ بذلك على أحدِ الوجوهِ في طهارةِ فمِ الهِرِّ باللُّعابِ، وكذلك أفواهُ الصِّبيانِ ونحوِهم منَ القَيءِ.
فإن قيلَ: إن طهوريةَ الماءِ للنجاسةِ يشاركُه فيها غيرُه؛ صارَ كالترابِ، وإن قيلَ: لا يشاركُه؛ كان قولُه:«طهورٌ لا يُنَجِّسُه شيءٌ» تعليلًا لاستقائه (١) بعلتين كما سبق.
وبالجملةِ: فلم أعلمْ إلى ساعتي هذه - لمن يُنجِّسُ المائعاتِ الكثيرةِ بوقوعِ النجاسةِ فيها إذا لم تتغيرْ - حجةً يَعتمِدُ عليها المفتي فيما بينَه وبينَ اللهِ تعالى، فتحريمُ الحلالِ كتحليلِ الحرامِ، فمن كان عندَه علمٌ يُرجَعُ إليه، أو يُعتمَدُ عليه فلْيَتَّبِعِ العلمَ، وإن لم يكنْ عندَه إلا مجردُ التقليدِ؛ فالنزاعُ فيها مشهورٌ، وقد قال اللهُ تعالى:{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام}.
(١) كذا في الأصل و (ع) و (ك)، ولعل المراد: طلب السقيا من البئر المسؤول عنه في الحديث، فيكون قد علل جواز الاستقاء بعلتين: الأولى: "طهور" والثانية: "لا ينجسه شيء" كما سبق. وفي المطبوع: (لاستبقائه).