لكن قد يقَعُ النِّزاعُ في بعضِ الأمورِ؛ هل هو من بابِ القُرُباتِ، أم لا؟ كما تَنازَعوا في مسائلِ الاجتهادِ، كمَن يرى وجوبَ القراءةِ على المأمومِ، وآخَرُ يكرهُها له.
فمن علِمَ في شيءٍ أنه بدعةٌ؛ لم يَجُزْ أن يوقفَ عليه باتفاقِ العلماءِ، فالشروطُ المتضمنةُ للأمرِ بما نُهي عنه، والنَّهْيِ عمَّا أُمر به؛ مخالَفةٌ للنصِّ والإجماعِ.
فما تبيَّنَ أنَّه من الشروطِ الفاسدةِ المضادَّةِ لمحبةِ الشارعِ ورضاه؛ أُلغيَ، وما تبيَّنَ أنه موافقٌ لكتابِ اللهِ؛ أُنفِذ، وما اشتَبهَ أمرُه، أو كان فيه نزاعٌ؛ فله حُكْمُ نظائرِه.
ومن هذه الشروطِ: ما يَحتاجُ تغييرُه إلى همةٍ قويةٍ وقدرةٍ نافذةٍ يؤيِّدُها اللهُ بالعلمِ والدينِ، وإلا فمجرَّدُ قيامِ الشخصِ في هوى نفْسِه لجَلْبِ دنيا، أو دفعِ مَضرَّةٍ دنيويةٍ، إذا خرَج ذلك مخرجَ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهْيِ عن المُنكَرِ؛ لا يكادُ ينجَحُ سَعْيُه، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.
فمَبيتُ الشخصِ في مكانٍ معيَّنٍ دائمًا؛ ليس قربةً ولا طاعةً باتِّفاقِ العلماءِ، ولا يكونُ ذلك إلا نادرًا؛ كالمَبيتِ في ليالي مِنًى، ومَبيتِ الإنسانِ في الثَّغْرِ للرباطِ، أو في حرسٍ في سبيلِ اللهِ، أو عندَ عالِمٍ أو رجلٍ صالحٍ ينتفعُ به، فأما أن يرابطَ دائمًا في بقعةٍ بالليلِ لغيرِ مصلحةٍ دينيةٍ؛ فليس من الدينِ؛ بل تعيينُ مكانٍ للصلوات الخمسِ، أو قراءةِ القرآنِ، أو إهدائه غيرَ ما عيَّنَه الشارعُ؛ ليس مشروعًا باتفاقِهم؛ حتى لو نذَر الصَّلاةَ في مسجدٍ غيرِ الثلاثةِ؛ لم يتعيَّنْ، ولهم في وصولِ العباداتِ