مشاركةِ الفقيرِ له في أسبابِ الاستحقاقِ سوى الغنى، مع زيادةِ استحقاقِ الفقيرِ عليه، فهذا مما يُعلَمُ بالاضطرارِ أن اللهَ لا يُحِبُّه، فلا يكونُ اشتراطُه صحيحًا.
وأيضًا: المالُ يُمنَعُ منه الوارثُ، فلو أن فيه مصلحةً؛ لما جاز منعُ الوارثِ، فأما منعُ الوارثِ منه، ولا مصلحةَ للواقفِ ولا منفعة؛ فهذا لا يجوزُ تنفيذُه.
وأما الوقفُ على الأعمالِ الدينيةِ؛ كالقراءةِ والحديثِ والفقهِ ونحوِ ذلك؛ فهذا هو الأصلُ الثاني، وذلك لا يمكنُ أن يكونَ في ذلك نزاعٌ في جوازِه إذا كان على ما شرَعَه اللهُ وأوجَبَه من هذه الأعمالِ، فأما مَن ابتَدعَ عملًا لم يشرَعْه اللهُ، وجعَلَه دِينًا؛ فهذا يُنهَى عن عملِ هذا العملِ، فكيفَ يُشرَعُ له أن يقفَ عليه الأموالَ؟! بل هذا من جنسِ الوقفِ على ما يعتقِدُه اليهودُ والنصارى عباداتٍ، وهي من الدينِ المُبدَّلِ، فبابُ العباداتِ والدياناتِ مُتلقًّى عن اللهِ ورسولِه، فليس لأحدٍ أن يجعلَ شيئًا عبادةً أو قربةً إلا بدليلٍ شرعيٍّ، فالبِدَعُ المذمومةُ شرعًا: هي ما لم يشرَعْه اللهُ؛ أي: لم يدخُلْ في أمرِه.
ولا خلافَ بينَ المسلمِينَ: أن مَن وقَف على صلاةٍ أو صيامٍ أو قراءةٍ أو جهادٍ غيرِ شرعيٍّ؛ لم يصِحَّ وقْفُه، وفَرْقٌ بينَ المباحِ الذي يُفعَلُ لأنه مباحٌ، وبينَ ما يُتَّخَذُ دِينًا وعبادةً وطاعةً، فمن جعَل ما ليس قربةً ولا طاعةً أنَّه دين وطاعةٌ؛ كان ذلك حرامًا باتِّفاقِهم، ووَقْفُه على ذلك باطلٌ.