للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: حلاوةُ الإيمانِ ولذَّتُه التي هي أحلى وأطيبُ مما ترَكَه للهِ، والنفْسُ تحبُّ النظرَ إلى هذه الصُّوَرِ، لا سيَّما نفوسِ أهلِ الرياضةِ والصفاء، فإنه يبقى فيها رقةٌ، حتى إن الصُّورَ تجذبُ أحدَهم وتصرَعُه، ورُوِي عن فتحٍ (١) أنه قال: (صحِبتُ ثلاثينَ منَ الأبدالِ، كلُّهم يُوصيني عندَ فراقِه: بتَرْك صحبةَ الأحداثِ).

الثانيةُ: أنه يورثُه نورَ القلبِ والفِراسةَ، قال تعالى عن قومِ لوطٍ: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}.

فالتعلقُ بالصُّوَرِ يورثُ فسادَ العقلِ، وعمى البصرِ، وسُكْرَ القلبِ؛ بل جُنونَه، كما قيلَ (٢):

قَالُوا جُنِنْتَ بِمَنْ تَهْوَى فَقُلْتُ لَهُمْ … العِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالمَجَانِينِ

العِشْقُ لَا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ … وَإِنَّمَا يُصْرَعُ المَجْنُونُ فِي الحِينِ

فمن غضَّ بصرَه عما حرَّمَه اللهُ؛ عوَّضَه اللهُ من جنسِه بما هو خيرٌ منه، فيُطلِقُ نورَ بصيرتِه، ويفتحُ عليه بابَ العلمِ والمعرفةِ والكشوفِ.

الثالثةُ: قوةُ القلبِ وثباتُه وشجاعتُه، فيجعلُ اللهُ له سلطانَ النصرةِ معَ سلطانِ الحجةِ، وفي الأثرِ: «الذي يخالفُ هَواه؛ يَفرَقُ الشيطانُ من


(١) هو فتح الموصلي الصغير، أبو نصر فتح بن سعيد الموصلي، الزاهد، العابد، من أقران بشر الحافي، توفي سنة عشرين ومائتين. ينظر: مرآة الزمان ١٤/ ٢٥١، سير أعلام النبلاء ١٠/ ٤٨٣.
(٢) نسبه ابن القيم في روضة المحبين ص (١٣٩) إلى قيس مجنون ليلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>