للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها، كما قال في حديثِ أبي سعيدٍ لخالدِ بنِ الوليدِ لما اختَصمَ هو وعبدُ الرحمنِ: «يا خالدُ، لا تسُبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيدِه لو أنفَقَ أحدُكم مثلَ أُحُدٍ ذهبًا ما بلَغ مُدَّ أحدِهم، ولا نَصِيفَه»، فإنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ هو وأمثالُه من السابقينَ الأولينَ من الذينَ أنفقوا قبلَ الفتحِ - فتحِ الحُدَيْبيةِ - وقاتلوا، وخالدٌ وغيرُه ممن أسلمَ بعدَ الحديبيةِ، وأنفقوا وقاتلوا، دونَ أولئكَ، قال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئكَ أعظم درجة من الذينَ أنفقوا من بعدَ وقاتلوا}.

والمرادُ بالفتحِ: فتحُ الحديبيةِ، لما بايعَ أصحابَه تحتَ الشجرةِ، وكان الذين بايعوه أكثرَ من ألفٍ وأربعمائةٍ، وهم الذين فتحوا خيبرَ، وقد قال: «لَا يَدخُل النارَ أحدٌ بَايعَ تحتَ الشجرةِ» (١)، وسورةُ الفتحِ التي فيها ذلك؛ أنزلها اللهُ قبلَ فتحِ مكةِ؛ بل قبلَ أن يعتمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمرةَ القضيةِ، وكان قد بايعَ أصحابَه تحتَ الشجرةِ عامَ الحديبيةِ سنةَ ستٍّ من الهجرةِ، وصالَحَ المشركينَ صلحَ الحديبيةِ المشهورَ، وبذلك الصلحُ حصَل من الفتحِ والخيرِ ما لا يعلمُه إلا اللهُ، معَ أنه قد كان كرِهَه خلقٌ من المسلمِينَ، ولم يعلموا ما فيه من حسنِ العاقبةِ؛ حتى قال سَهْلُ بنُ حُنَيفٍ: «أيها الناسُ، اتَّهِموا أنفسَكم، فلقد رأيتُني يومَ أبي جَنْدلٍ، ولو أستطيعُ أن أرُدَّ أمرَ رسولِ اللهِ لردَدتُّه» رواه البخاريُّ (٢).


(١) رواه مسلم (٢٤٩٦) من حديث جابر رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٣١٨١)، ومسلم (١٧٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>