فلما كان من العامِ القابلِ؛ اعتَمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عمرةَ القضيةِ، ودخل هو ومَن اعتَمرَ معَه مكةَ معتمرينَ، وأهلُ مكةَ يومئذٍ معَ المشركينَ، ولما كان في العامِ الثامنِ فتَحَ مكةَ في شهرِ رمضانَ، وقد أنزل اللهُ في سورةِ الفتحِ:{لتدخلن المسجد الحرام إن شاءَ اللهُ آمنين … } إلى قولِه: {فجعل من دون ذلك فتحا قريبا}، فوَعَدهم في سورةِ الفتحِ أن يدخلوا مكةَ آمنينَ، وأنجَزَ موعِدَهُ من العامِ الثاني عامُ القضيةِ، وأنزل في ذلك:{الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}، وذلك كلُّه قبلَ فتحِ مكةَ.
فمَن توهَّم أن سورةَ الفتحِ نزلَتْ بعدَ فتحِ مكةَ؛ فقد غلِطَ غلَطا بيِّنًا.
والمقصودُ: أن الذينَ صحِبوه قبلَ الفتحِ؛ اختصُّوا من الصحبةِ بما استحقوا به التبْرِيزَ على مَن بعدَهم، حتى قال لخالدٍ:«لَا تَسبُّوا أصحَابي»؛ فإنهم صحِبوه قبلَ أن يصحَبَه خالدٌ وأمثالُه.
ولما كان لأبي بكرٍ الصدِّيقِ من مَزِيَّةِ الصحبةِ -رضي الله عنه- ما تميَّزَ به على جميعِ الصحابةِ؛ خصَّه بذلك فيما رواه البخاريُّ: أنه كان بينَ أبي بكرٍ وعمرَ كلامٌ، فطلب أبو بكرٍ من عمرَ أن يستغفرَ له، فامتنعَ عمرُ، وجاء أبو بكرٍ إلى النبيِّ، فذكَر له ما جرى، ثم قدِمَ عمرُ، فخرج يطلُبُ أبا بكرٍ في بيتِه، فذُكِر له أنه كان عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلما جاء عمرُ أخَذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يغضَبُ لأبي بكرٍ، وقال: «أيها الناسُ، إني جئتُ إليكم، فقلتُ: إنِّي رسولُ اللهِ إليكم، فقلتُم: كذَبتَ، وقال أبو بكرٍ: صدَقْتَ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟! فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟! فهل أنتم تاركو لي