للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا}، هذا في الذنوبِ المحقَّقةِ، وأما ما اجتهدوا فيه؛ فتارةً يصيبونَ، وتارةً يخطئونَ، وهم مأجورون على الحالتينِ.

فأهلُ السُّنَّةِ لا يُعصِّمونَ ولا يُؤثِّمونَ، بخلافِ أهلِ البِدَعِ الذينَ غلَوا من الجانبينِ، طائفةٌ عصَّمتْ، وطائفةٌ أثَّمَتْ، فتولَّد بينهم من البِدَعِ ما سبُّوا به السَّلَفَ؛ بل يُفسِّقونَهم ويُكفِّرونَهم، كما كفَّرتِ الخوارجُ عليًّا وعثمانَ، واستحلوا قتالَهم، وهم الذينَ قال فيهم: «تمرُقُ مارقةٌ على خيرِ فرقةٍ من المسلمِينَ، فيقتُلها أَوْلى الطائفتينِ إلى الحقِّ» (١)، فقتَلهم عليٌّ رضي الله عنه، وقال: «إن ابني هذا سيدٌ، وسيُصلِحُ اللهُ به بينَ فِئَتَيْنِ عظيمتينِ من المسلمِينَ» (٢)، فأصلَحَ اللهُ به بينَ شيعةِ عليٍّ وشيعةِ معاويةَ، فدل على أنه فعل ما أحبَّه اللهُ ورسولُه، وأن الفئتينِ من المسلمين ليسوا مثلَ الخوارجِ الذينَ أُمِر بقتالِهم، ولهذا فرِحَ عليٌّ بقتالِ الخوارجِ، وحزن بقتالِ صِفِّينَ، وأظهر الكآبةَ والألَمَ.

وتبرئةُ الفريقينِ من الكفرِ والنفاقِ، والترحُّمُ عليهما؛ من أهدى الأمورِ التي اتفَق عليها عليٌّ وجميعُ الصحابةِ، وشهِدَ القرآنُ بأن اقتتالَ المؤمنينِ لا يُخرِجُهم من الإيمانِ، والحديثُ المرويُّ: «إذا اقتتل خليفتانِ فأحدُهما ملعونٌ»؛ كذِبٌ مفترًى، لم يَرْوِه أحدٌ من أهلِ العلمِ بالحديثِ.


(١) رواه مسلم (١٠٦٤)، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٣٦٢٩)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>