للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعاويةُ لم يدَّعِ الخلافةَ، ولم يُبايَعْ له بها حينَ قاتلَ عليًّا، ولم يُقاتِلْه على أنه خليفةٌ، ولا أنه يستحقُّ الخلافةَ، ولا كان هو وأصحابُه يَرَوْنَ أن يبدؤوا عليًّا بالقتالِ؛ بل لما رأى عليٌّ أن لا يكونَ للناسِ خليفتانِ، وهؤلاء لهم شوكةٌ، وهم خارجون عن طاعتِه؛ رأى أن يقاتلَهم حتى يؤدوا الواجبَ، وهم قالوا: إنَّ ذلك لا يجبُ عليهم، وأنهم إذا قوتلوا على ذلك يكونوا مظلومينَ؛ لأن عثمانَ قُتِل مظلومًا باتِّفاقِ المسلمِينَ، وقتَلَتُه في عسكرِ عليٍّ، وهم غالبونَ، لهم شوكةٌ، فإذا لم نمتنعْ ظلمونا واعتدوا علينا، وعليٌّ لا يمكنُه دفعُهم، كما لم يمكنُه الدفعُ عن عثمانَ، وإنما علينا أن نبايعَ خليفةً يقدرُ على أن يُنصِفَنا، ويبذُلَ لنا الإنصافَ.

وكان في جُهَّالِ الفريقينِ مَن يظُنُّ بعليٍّ وعثمانَ ظنونًا كاذبةً، برَّأَهما اللهُ منها، منهم مَن ظنَّ أن عليًّا أمر بقتلِه، وكان يحلفُ - وهو البارُّ الصادقُ بلا يمينٍ - أنه لم يقتلْه، ولا رضي بقتلِه، ولم يُمالِئْ على قتلِه، وهذا معلومٌ بلا رَيْبٍ من عليٍّ رضي اللهُ عنهُ، فكان أناسٌ من مُحِبِّي عليٍّ ومِن مُبغِضِيه يُشِيعونَ ذلك عنه، فمُحِبُّوه يقصدونَ الطعنَ على عثمانَ، وأنه كان يستحقُّ القتلَ، وأن عليًّا أمر بقتلِه، ومبغِضوه يقصدونَ الطعنَ على عليٍّ، وأنه أعان على قتلِ الخليفةِ المظلومِ الشهيدِ الذي صبَّر نفْسَه، ولم يدفَعْ عنها، ولم يسفِكْ دمَ مسلمٍ في الدفعِ عنه، فكيفَ في طلبِ طاعتِه؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>