للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حمزةَ» (١)، ولا رَيْبَ أن قولَ عليٍّ هو الصوابُ.

لكن مَن نظَر في كلامِ المتناظرينَ الذينَ ليس بينهم قتالٌ ولا ملكٌ؛ رأى لهم من التأويلاتِ ما هو أضعفُ من ذلك، فلم يَرَ معاويةُ أنه قتَل عمارًا، ولم يعتقدْ أنه باغٍ، فهو متأوِّلٌ، والفقهاءُ ليس فيهم مَن رأيه القتالُ معَ من قتَل عمارًا؛ لكن لهم قولانِ مشهورانِ، كما كان عليه أكابر الصحابةِ، منهم مَن يرى القتالَ معَ عمارٍ وطائفتِه، ومنهم من يرى الإمساكَ عن القتالِ مطلقًا، وفي كلٍّ من الطائفتينِ طوائفُ من السابقينَ الأولينَ، ففي القولِ الأول: عمارٌ، وسَهْلُ بن حُنَيفٍ، وأبو أيوبَ.

وفي الثاني: سعدُ بنُ أبي وقاصٍ، ومحمدُ بنُ مَسْلمةَ، وأسامةُ، وعبدُ اللهِ بنُ عمر.

ولعلَّ أكثر أكابرَ الصحابةِ كانوا على هذا القولِ، ولم يكُنْ في العسكرَينِ بعدَ عليٍّ أفضلُ من سعدٍ، وكان من القاعدينَ.

وحديثُ عمارٍ قد يَحتَجُّ به من رأى القتالَ؛ لأن قاتلوه بغاةٌ، واللهُ أمر بقتالِ التي تبغي، والساكتونَ يحتجونَ بالأحاديثِ الصحيحةِ الكثيرةِ من أن القعودَ عن الفتنةِ خيرٌ من القتالِ فيها، وهذا القتالُ ونحوُه هو قتالُ الفتنةِ، واللهُ تعالى لم يأمرْ بقتالِ الباغي أولًا؛ بل أمر بالصلحِ، فإن بغَتْ إحداهما؛ قُوتلَتِ الباغيةُ ردًّا لشرِّها، من بابِ ردِّ الصائلِ الذي لا يندفعُ ظلمُه إلا بالقتالِ، كما قال: «من قُتِل دونَ مالِه فهو شهيدٌ» (٢).

فبتقديرِ أن يكونَ جميعُ العسكرِ بغاةً؛ لم يُؤمَرْ بقتالِهم ابتداءً، بل


(١) ذكره في العقد الفريد ٥/ ٩٠.
(٢) تقدم تخريجه ص … ظظ

<<  <  ج: ص:  >  >>