في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}، ولم يذكرْ ذلك في الذبيحِ.
الوجهُ الثالثُ: أنه ذكَر في الذبيحِ أنه غلامٌ حليمٌ، ولما ذكر البشارةَ بإسحاقَ قال:{بغلام عليم} في غيرِ موضعٍ، ولا بدَّ لهذا التخصيصِ من حكمةٍ، وهذا يقوي افتراق الوصفينِ، والحلمُ الذي هو ثابتٌ للصبرِ الذي هو خُلُقُ الذبيحِ، وإسماعيلُ وُصِف بالصبرِ في قولِه:{واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل كل من الصابرين}، وهذا وجه ثالث؛ فإنه قال:{ستجدني إن شاءَ اللهُ من الصابرين}.
الوجهُ الرابعُ: أن البشارةَ بإسحاقَ كانت معجزةً؛ لأن أمَّه عجوزٌ عقيمٌ، وأبوه قد مسَّه الكِبَرُ، والبشارةُ مشتركةٌ لإبراهيمَ وامرأتِه، وأما البشارةُ بالذبيحِ فكانت لإبراهيمَ، وامتُحِن بذَبْحِه دونَ الأمِّ المُبشَّرةِ، ولم تكُنْ ولادتُه خرقَ عادةٍ، وهذا يوافقُ ما نُقِل عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه في الصحيحِ: من أن إسماعيلَ لَمَّا وُلِد لهاجرَ، غارَتْ سارَّةُ، فذهب إبراهيمُ بإسماعيلَ وأمِّه إلى مكةَ، وهناك كان أمرُ الذبحِ (١)، فيؤيدُ أن إسماعيلَ هو الذبيحُ، ليس إسحاقَ؛ لأنه قال:{فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}، فكيفَ يأمُرُ بعدَ ذلك بذَبْحِه؟! والبشارةُ بيعقوبَ تقتضي أن إسحاقَ يعيشُ ويولدُ له يعقوب، فكيف يأمر بعد ذلك بذَبْحِه؟! وكانت البشارة بيعقوب قبل ولادةِ إسحاق، بل يعقوب إنما ولد بعد موت إبراهيم، وقصةُ الذبيحِ كانت في حياةِ إبراهيمَ بلا رَيْبٍ.
(١) رواه البخاري (٣٣٦٥)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.