للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو حنيفةَ أباح السبَقَ بالمحلِّلِ، كما يُبيحُه في سباقِ الخيلِ؛ بناءً على أن العملَ بنفْسِه مباحٌ، والسبَقُ عندَه من باب الجَعالةِ، والجَعالةُ تجوزُ على العملِ المباحِ.

والذي قاله هو القياسُ لو كان السبَقُ المشروعُ من جنسِ الجَعالةِ، مع أن الناسَ تَنازَعوا في جوازِ الجَعالةِ، فأبطَلَها طائفةٌ من الظاهريةِ، والصوابُ الذي عليه الجمهورُ: جوازُها، وليست عقدًا لازمًا؛ لأن العملَ فيها غير معلوم، ولهذا يجوزُ أن يَجعلَ للطبيبِ جُعْلًا على الشفاءِ، كما جُعل لأصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الذي رقى سيدَ الحي (١)، ولا يجوزُ أن يستأجرَ الطبيبَ على الشفاءِ؛ لأنه غيرُ مقدورٍ عليه.

ومن هنا يظهرُ فقهُ بابِ السَّبَقِ، فإن كثيرًا من العُلَماءِ اعتقدوا أن السبَقَ إذا كان من الجانبينِ، وليس بينهما محلِّلٌ؛ كان هذا من الميسرِ المحرمِ، وأنه قمارٌ، لأن كُلًّا منهما متردِّدٌ بينَ أن يغرمَ أو يغنمَ، وما كان كذلك فهو قمارٌ، واعتقدوا أن القمارَ المحرَّمَ حُرِّم لما فيه من المخاطرةِ والتغريرِ، وظنوا أن اللهَ حرَّم الميسرَ لذلك، وهذا المعنى موجودٌ في المتسابقينِ إذا أخرج كلٌّ منهما السبَقَ، فحرموا ذلك، ورُوِي في ذلك حديثٌ ظنَّه بعضُهم صحيحًا، وهو قولُه: «من أدخلَ فرسًا بينَ فرسينِ، وهو لا يأمَنُ أن يُسبَقَ؛ فليس بقمارٍ، ومن أدخلَ فرسًا بينَ فرسينِ وقد أمِنَ أن يُسبَقَ؛ فهو قمارٌ» (٢).


(١) رواه البخاري (٢٢٧٦)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) رواه أحمد (١٠٥٥٧)، وأبو داود (٢٥٧٩)، وابن ماجه (٢٨٧٦)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>