للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلومٌ أن هذا الحديثَ ليس هو من كلامِ رسول الله، بل من كلامِ سعيدِ بنِ المسيَّبِ، هكذا رواه الثقاتُ (١)، ورفَعه سفيانُ بنُ حسينٍ الواسطيُّ، وهو ضعيفٌ.

ثم إن الذينَ اعتقدوا أن هذه المسابقةَ بلا محلِّلٍ قمارٌ؛ تَنازَعوا بعدَ ذلك؛ فمنهم من لم يُجز العوضَ بحالٍ، ومنهم من جوَّزه من أحدِهما بشرطِ ألا يرجعَ إليه؛ بل يطعمه الجماعةَ إن غَلَب، ورُوِي عن مالك وغيرِه، وهو أصحُّ للقياس لو كانت المسابقةُ من الطرفينِ قِمارًا محرمًا، فإنهم رأوا أن هذه ليست جَعالةً، يقصد الجاعلُ فيها بدلَ الجُعْلِ في عملٍ ينتفعُ به، إنما قصد أن يغلبَ صاحبَه، فحرموها، وقالوا: دخولُ المحلِّلِ فيها يزيدُها شرًّا، فإن المقامرةَ حرُمتْ لما فيها من أكلِ المالِ بالباطلِ، والمحلِّلُ يزيدُها شرًّا، فإن المتسابِقَينِ إذا غلَب أحدُهما صاحبَه، فأخذ مالَه؛ كان هذا في مقابلةِ أن الآخَرَ إذا غلَبَه أخذ مالَه، فكان مبناها على العدلِ، بخلافِ المحلِّلِ؛ فإنه إن غَلَب أخذ، وإن غُلِب لم يردَّ شيئًا فكان ظالماً، فدخول المحلِّل ظلمٌ محضٌ، فإنه يعرض (٢) أن يغنمَ أو يسلمَ، والآخَرانِ قد يغرمانِ، فلا يستوونَ في المغنمِ والمغرمِ والسلامةِ، بخلافِ ما إذا لم يكُنْ بينَهما محلِّلٌ، فكلاهما قد يغرمُ، وقد يغنمُ، وقد يسلمُ فيما إذا تساويا وجاءا معًا،


(١) رواه مالك (٢/ ٤٦٨)، وابن أبي شيبة (٣٣٥٥١)، والبيهقي في الكبرى (١٩٧٧٢)، وقال أبو حاتم: (أحسنُ أحواله أن يكون موقوفًا على سعيد بن المسيب). ينظر التلخيص الحبير ٤/ ٣٠٠.
(٢) في (ع) و (ز): يعوض.

<<  <  ج: ص:  >  >>