للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا أقربُ إلى العدلِ، فإذا حرُم الأقربُ إلى العدلِ؛ فلأن يحرُمَ الأبعدُ عنه بطريقِ الأَوْلى.

وأيضًا: فإذا قيلَ: هذا محرمٌ لما فيه من المخاطرةِ، وأكلِ المالِ بالباطلِ؛ كان بالمحلِّلِ أشدَّ تحريمًا؛ لأنها أشدُّ مخاطرةً، وأشدُّ أكلَ مالٍ بالباطلِ؛ لأنهما عندَ عدَمِه إما أن يغنمَ أو يغرَمَ أحدُهما، وهنا المخاطرةُ باقيةٌ، كلٌّ منهما قد يغنمُ وقد يغرمُ، وانضم إلى ذلك مخاطرةٌ ثالثةٌ؛ وهو أنه هناك يغرمُ إذا غلَبَه صاحبُه، وهنا يغرمُ إذا غلَبَه صاحبه وإذا غلبه المحلِّلُ، فكان المحلِّلُ زيادةً في المخاطرةِ.

وأيضًا: فإنه من غلب منهما كان يحتمل أن يغلبَ ويغنمَ، وأما المحلِّلُ فلا يحتملُ أن يغلبَ ويغرمَ؛ بل هو يغنمُ لا محالةَ، أو يسلمُ.

فمَن تدَبَّرَ هذه الأمورَ؛ علِم أن الشريعةَ تَتنزَّه عن مثلِ هذا؛ أن يُحرَّمَ الشيء دفعًا لمفسدةٍ قليلةٍ، وتُبيحَه للمفسدةِ إذا كثُرتْ، ولكن أصحابَ الحِيَلِ كثيرًا ما يقعونَ في هذا، فيُحرِّمونَ بعضَ أنواعِ الرباِ؛ دفعًا لأكلِ المالِ بالباطلِ؛ لئلا يتضررَ، ويبيحونَ له حيلةً يُؤكَلُ فيها مالُه بالباطلِ أكثرَ، ويكونُ فيها ظلمُه وضررُه أعظمَ.

ومن العُلَماءِ من أباح السَّبَقَ بالمحلِّلِ؛ كقولِ أبي حنيفةَ، والشافعيِّ، وأحمدَ، وإحدى الروايتينِ عن مالكٍ؛ وهذا مبنيٌّ على أصلينِ:

أحدُهما: أن هذه جَعالةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>