للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن القمارَ هو المخاطرةُ الدائرةُ بينَ أن يغنمَ باذلُ المالِ، أو يغرمَ، وهذا المعنى ينتفي بالمحلِّلِ؛ فإنه حينئذٍ يدورُ الأمر بين أن يغنمَ أو يغرمَ أو يسلمَ.

وقد تقدَّمَ التنبيهُ على بعضِ ما في كلٍّ من الأصلينِ.

والمقصودُ الأعظمُ: بيانُ فسادِ ظنِّ الظانِّ أنه بدونِ المحلِّلِ قمارٌ، وبالمحلِّلِ يزولُ القمارُ، فيقالُ أولًا: أين الدليلُ الشرعيُّ الدالُّ على أن القمارَ هو هذا دونَ هذا.

ويقالُ ثانيًا: المتسابقانِ كلٌّ منهما متردِّدٌ بينَ أن يغنمَ أو يغرمَ أو يسلمَ، فإنهما لو جاءا معًا لم يأخُذْ أحدُهما سَبَقَ الآخَرِ، فقولُهم: إن القمارَ هو التردُّدُ بينَ أن يغرم أو يغنم فقط؛ ليس بمستقيمٍ؛ بل عندَهم: وإن تردَّدَ بينَ أن يغنمَ أو يغرمَ ويسلمَ، فهو أيضًا قمارٌ، وهذا موجودٌ معَ المحلِّلِ، فإن كلًّا منهما يتردَّدُ بينَ أن يغنمَ إن غلَب، وبينَ أن يغرمَ إن غُلِب، وبينَ أن يسلمَ إن جاؤوا معًا، أو جاء هو ورفيقُه معًا، فالمخاطرةُ فيها موجودةٌ معَ المحلِّلِ وبدونِ المحلِّلِ؛ بل زاد بدخولِه.

فتبيَّنَ أن المعنى لم يَزُلْ بدخولِ المحلِّلِ؛ بل ازدادَ مفسدةً؛ فإنه على بَرِّ السلامةِ، ولا عدلَ فيه، بخلافِ ما لو كانا بلا محلِّلٍ، فكان كلٌّ منهما مساويًا للآخَرِ في الاحتمالِ، وهذا عدلٌ، وهو على الميزانِ بينَهما؛ بل الذي بذل الجُعْلَ ليحصِّلَ الرغبةَ فيما يحبُّه الله لم ينظُر في مصلحتِه؛ بل معرضًا للخسارةِ، ويُجعلُ الدخيلُ الذي جاء تابعًا للغرضِ؛ لا يخسرُ شيئًا من مالِه، والذي يتقربُ إلى اللهِ بما يحبُّه

<<  <  ج: ص:  >  >>