للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخسرُ، والذي لم يقصدْ القربة يُحرس (١) ولا يخسرُ؛ بل إما سالمًا وإما غانمًا، فهل يحسُنُ هذا في شرعِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! وإن كان القائلونَ علماءَ فضلاءَ أئمةً، فإنما وقعت الشبهةُ من حيثُ ظنوا أن الميسرَ المحرمَ الذي هو القمارُ؛ حرُم لما فيه من المخاطرةِ.

ثم منهم من رأى المخاطرةَ كلَّها محرمةً مع المحلِّلِ وعدمِه، وهذا أقربُ إلى الأصلِ الذي ظنوه لو كان صحيحًا، ومنهم من رأى الحاجةَ إلى السَبَقِ، وقد جاء الشرعُ بها، فجمَع بينَ ما أمر اللهُ به، وبينَ ما ظنه من القمارِ، فأباحه معَ المحلِّلِ فقط، والمقصودُ هنا بالجُعْلِ: أن يُظْهِرَ أنه قويٌّ؛ لا أن صاحبَه يغلبُه ويأخُذُ مالَه، بخلافِ الجَعالةِ؛ فإن الغرضَ بها العملُ من العاملِ الذي يأخذُ الجُعْلَ، فليست هذه جَعالةً، والجاعلُ قصدُه وجودُ الشرطِ، والمسابقُ الذي أظهرَ المالَ؛ قصدُه ألا يوجدَ الشرطُ الذي هو سَبْقُ صاحبِه له؛ بل قصدُه عدَمُه، فأين هذا من هذا؟! بل هذا يكرَهُ أن يُغلَبَ، وذاك يحبُ أن يفعلَ شغله الذي هو ردُّ آبِقِه، أو بناءُ حائِطِه، كما يقولُ الحالفُ: إن فعلتُ كذا فمالي صدقةٌ، وعليَّ الحجُّ، ومقصودُه أنه لا يفعَلُه، بخلافِ الناذرِ الذي يقولُ: إن شفَى اللهُ مريضي؛ فعليَّ أن أصومَ شهرًا، وكالجاعلِ؛ الذي يقولُ: إن أبرأْتِيني من صَداقِكِ؛ فأنتِ طالقٌ.

ومَن هنا تَتبيَّنُ حقيقةُ هذه المسألةِ، وأن مَن رأى أنه حرامٌ ولو معَ المحلِّل؛ فقولُه أصَحُّ على ما ظنوه.


(١) قوله: (يحرس) هو في (ك)، و (ع) و (ز): لم يحط شيئًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>