للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما إذا تقرَّرَ أن تحريمَ الميسرِ لِمَا نصَّ اللهُ عليه، من أنه يوقعُ العداوةَ والبغضاءَ، ويصُدُّ عن الصَّلاةِ وعن ذكرِ اللهِ، وقد يشتدُّ تحريمُه لما فيه من أكلِ المالِ بالباطلِ، والمسابقةُ التي أمَر اللهُ بها ورسولُه لا تشتملُ لا على هذا الفسادِ، ولا على هذا، فليست من الميسرِ، وليس إخراجُ السَّبَقِ فيها مما حرَّمَه اللهُ ورسولُه من القمارِ الداخلِ في الميسرِ؛ فإن لفظَ القمارِ المحرَّمِ ليس في القرآنِ، إنما فيه لفظُ الميسرِ، والقِمارُ داخلٌ في هذا الاسمِ، والأحكامُ الشرعيةُ يجبُ أن تتعلقَ بكلامِ اللهِ ورسولِه ومعناه، فيُنظَرُ في دلالةِ ألفاظِ القرآنِ والحديثِ، وفي المعاني والعِلَلِ والحِكَمِ والأسبابِ التي علَّق الشارعُ بها الأحكامَ، فيكونُ الاستدلالُ بما أنزلَ اللهُ من الكتابِ والميزانِ، والقياسُ الصحيحُ الذي يسوِّي بينَ المتماثلينِ ويُفرِّقُ بينَ المختلفينِ؛ هو من العدلِ، وهو من الميزانِ.

وذلك أن المسابَقةَ والمناضَلةَ عملٌ صالِحٌ يحبُّهما اللهُ ورسولُه، وقد سابَقَ صلى الله عليه وسلم بينَ الخيلِ (١)، وكان أصحابُه يتناضلونَ، ويقولُ: «ارموا بني إسماعيلَ؛ فإنَّ أباكم كان رامِيًا»، وكان قد صار معَ أحدِ الحزبينِ، ثم قال: «ارموا، فأنا معَكم كلِّكم» (٢)؛ تعديلًا بينَ الطائفتينِ.

والرميُ والركوبُ قد يكونُ واجبًا فرضًا على الكفايةِ، وقد يكونُ مستحبًّا، وقد نصَّ أحمدُ وغيرُه على أن العملَ بالرمحِ أفضلُ من صلاةِ


(١) رواه البخاري (٤٢٠)، ومسلم (١٨٧٠)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٢) رواه البخاري (٢٨٩٩)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>