للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التابعِينَ (١)، وقد رُوِّينا عن أبي عُبَيدةَ بنِ الجَرَّاحِ: أنه راهَنَ رجلًا في سباقِ الخيلِ، ولم يكُنْ بينَهما محلِّلٌ (٢)، وثبَتَ في «المسنَدِ» و «التِّرْمِذيِّ» وغيرِهما: أنه لما اقتتلَتْ فارسٌ والرومُ، فغلبَتْ فارسُ الرومَ، وبلَغ ذلك أهلَ مكةَ، وكان ذلك في أولِ الإسلامِ، ففرِح المشركون بذلك؛ لأن المجوسَ أقربُ إليهم من أهلِ الكتابِ، وساء ذلك المسلمِينَ؛ لأن أهلَ الكتابِ أقربُ إليهم، فأخبر أبو بكرٍ رضي الله عنه بذلك رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأنزل اللهُ تعالى: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعدَ غلبهم سيغلبون في بضع سنين}، فخرج أبو بكرٍ رضي الله عنه، فراهن المشركينَ على أنه إن غلبَتِ الرومُ في بضعِ سنينَ أخَذَ الرهنين، وإن لم تغلِبْهم أخَذوا هم الرهنينَ (٣)، وهذه المراهنةُ هي مثلُ المراهنةِ في سباقِ الخيلِ والرميِ بالنُّشَّابِ، وكانت جائزةً؛ لأنها لمصلحةِ الإسلامِ؛ لأن بيانَ صدقِ الرسولِ فيما أخبَرَ به؛ من أن الرومَ سوفَ يغلبونَ بعدَ ذلك، وفيها ظهورُ أقربِ الطائفتينِ إلى المسلمِينَ على أبعَدِها، وهذا فعَلَه الصدِّيقُ، وأقَرَّه عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولم يُنكِرْه عليه، ولا قال: هذا ميسرٌ وقِمارٌ، والصدِّيقُ أجلُّ قدرًا من أن يُقامِرَ، فإنه لم يشربِ الخمرَ في جاهليةٍ ولا إسلامٍ، وهي أشهى إلى النفوسِ من القِمارِ.


(١) روي ذلك عن سعيد بن المسيب عند ابن أبي شيبة (٣٣٥٥١).
(٢) رواه ابن أبي شيبة (٣٣٥٤٧)، وابن حبان في صحيحه (٤٧٦٦)، والبيهقي في الكبرى (١٩٧٧٦).
(٣) رواه أحمد (٢٤٩٥)، والترمذي (٣١٩٣)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>