المسلمونَ عن مصارِعٍ ومسابقٍ على الأقدامِ؛ لم يضُرَّهم، لا في دينِهم ولا دنياهم، بخلافِ ما لو خَلَوا عن الرميِ والركوبِ؛ لغلب الكفارُ على المسلمِينَ، ولهذا لم يدخُلْ فيها السبَقُ.
ألا ترى أن للإمامِ أن يُخرِجَ جُعْلًا لمن يرمي، ولا يحلُّ له أن يُخرِجَه لمن يصارعُ.
وإذا عُرِف أن مجرَّدَ المخاطرةِ ليس مقتضيًا لتحريمِ المسألةِ؛ انكشَفتْ وظهَرتْ، وعُرِف أن الصوابَ: أن يُعرَفَ مرادُ رسولِ اللهِ من أقوالِه وحكمِه وعِلَلِه التي علَّق بها الأحكامَ، فإن الغلَطَ ينشأُ من عدمِ المعرفةِ بمرادِه.
والمخاطرةُ مشتركةٌ بينَ كلٍّ من المتسابقَينِ؛ كلٌّ يرجو أن يغلبَ الآخرَ، ويخافُ أن يغلِبَه، فكان ذلك عدلًا وإنصافًا بينَهما كما تقدَّم.
وكذلك كلٌّ من المتبايعَيْنِ لسِلْعة صاحبه، يرجو أن يربحَ فيها، ويخافُ أن يخسرَ؛ فمثلُ هذه المخاطرةِ جائزةٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ، والتاجرُ مخاطرٌ، وكذلك الأجيرُ المَجْعولُ له جُعْلٌ على رَدِّ آبِقٍ، أو بناءِ حائطٍ، فإنه قد يحتاجُ إلى بذلِ مالٍ، فيكونُ متردِّدًا بينَ أن يغرمَ أو يغنمَ، ومع هذا فهو جائزٌ، والمخاطرةُ إذا كانت من الجانبينِ فهو أقربُ إلى العدلِ والإنصافِ؛ مثلُ: المضاربةِ، والمساقاةِ، والمزارعةِ، فإن كلاهما مخاطرٌ، قد يحصُلُ له ربحٌ، وقد لا يحصُلُ.
وما علمتُ أحدًا من الصحابةِ اشترَط في السباقِ محلِّلًا، ولا حرَّمه إذا كان كلٌّ منهما يُخرِجُ، وإنما علمتُ المنعَ في ذلك عن بعضِ