للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليًّا للهِ، وإن كان فيه زهادةٌ وعبادةٌ لم يأمُرِ اللهُ بها ورسولُه، كالزهدِ والعبادةِ التي كانت في الخوارجِ والرُّهْبانِ ونحوِهم، كما أن مَن كان عالمًا بأمرِ اللهِ ونَهْيِه، ولم يكُنْ عاملًا بذلك؛ لم يكُنْ من أولياءِ اللهِ؛ بل قد يكونُ فاسقًا فاجرًا، كما قال صلى الله عليه وسلم: «مثلُ المؤمنِ الذي يقرأُ القرآنَ كالأُتْرُجَّةِ؛ طعمُها طيبٌ، وريحُها طيبٌ، ومثلُ المؤمنِ الذي لا يقرأُ القرآنَ مثلُ التَّمرةِ (١)؛ طعمُها طيبٌ، ولا ريحَ لها، ومثلُ المنافقِ الذي يقرأُ القرآنَ مثلُ الرَّيْحانةِ؛ ريحُها طيبٌ، وطعمُها مرٌّ، ومثلُ المنافقِ الذي لا يقرأُ القرآنَ مثلُ الحَنْظَلةِ؛ طعمُها مرٌّ، ولا ريحَ لها» (٢).

ويقالُ: (ما اتخذَ اللهُ وليًّا جاهلًا)؛ أي: جاهلًا بما أمَره الله ونهاه، فأما من عرَف ما أمَر اللهُ به، وما نهى عنه، وعمِل بذلك فهو وليٌّ للهِ، وإن لم يقرأِ القرآنَ كلَّه، وإن لم يُحسِنْ أن يُفتِيَ الناسَ ويقضيَ بينَهم.

فأما الذي يُرائي بعملِه الذي ليس بمشروعٍ، فهذا بمنزلةِ الفاسقِ الذي ينسبُ إلى العلمِ، ويكونُ علمُه من الكلامِ المخالفِ للكتابِ والسنةِ، فكلٌّ من هذينِ بعيدٌ عن ولايةِ اللهِ تعالى، بخلافِ العالمِ الفاجرِ الذي يقولُ ما يوافقُ الكتابَ والسُّنَّةَ، والعابدِ الجاهلِ الذي يقصِدُ بعبادتِه الخيرَ، فإن كلًّا من هذينِ مخالفٌ لأولياءِ اللهِ من وجهٍ دونَ وجهٍ، فقد يكونُ في الرجلِ بعضُ خصالِ أولياءِ اللهِ دونَ بعضٍ، وقد يكونُ فيما تركه معذورًا بخطأٍ أو نسيانٍ، وقد لا يكونُ معذورًا.


(١) في الأصل: الثمرة. والمثبت من باقي النسخ الخطية، وهو الموافق لما في الأصول الحديثية.
(٢) رواه البخاري (٧٥٦٠)، ومسلم (٧٩٧)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>