للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحابةِ والتابعِينَ، وظن ذلك تكلفًا وتصنعًا، كما قال ابنُ سِيرِينَ: «بيْنَنا وبينَ الذينَ يُصعقونَ عندَ سَماعِ القرآنِ؛ أن يقرأَ واحدٌ منهم على رأسِ حائطٍ، فإن خرَّ فهو صادقٌ» (١)، ومنهم من أنكَرَه؛ لأنه رآه بدعةً مخالفاً لما عُرِف من هديِ الصحابةِ.

والذي عليه الجمهورُ: أنَّ الواحدَ من هؤلاءِ إذا كان مغلوبًا؛ لم يُنكَرْ عليه، وإن كان حالُ الثابتِ أكملَ منه، ولهذا لما سُئِلَ الإمام أحمدُ عن هذا؟ فقال: قُرِئ القرآنُ على يحيى بنِ سعيدٍ فغُشِي عليه، ولو قدر أحد أن يدفعَ عن نفْسِه لدفَعَه يحيى، فما رأيتُ أعقلَ منه، ونُقِل عن الشافعيِّ أنه أصابَه ذلك، وعليِّ بن الفُضَيلِ بنِ عياضٍ.

وبالجملةِ؛ فهذا كثيرٌ ممن لا يُسترابُ في صدقِه؛ لكن أحوالَ الصحابةِ هي التي ذُكِرت في القرآنِ من وجَلِ القلوبِ، ودموعِ العيونِ، واقشعرارِ الجلودِ، وقد يُنكِرُ أحوالَ هؤلاءِ مَن فيه قسوةٌ، وقد يغلو فيهم من يظنُّ أن حالَهم أكملُ الأحوالِ، وكلٌّ من الطرفينِ مذمومٌ؛ بل المراتبُ ثلاثةٌ:

ظالمٌ لنفْسِه، الذي هو قاسِي القلبِ، لا يلينُ للقرآنِ، ولا للذكرِ؛ ففيه شبَهٌ من اليهودِ؛ لقولِه: {ثم قست قلوبهم من بعد ذلك … } الآيةَ.

والثاني: حالُ المؤمن التقي الذي فيه ضعفٌ عن حملِ ما يرِدُ على


(١) رواه أبو نعيم في الحلية (٢/ ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>