للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلبِه، فهذا يَصعَقُ صعقَ موتٍ أو غَشْيٍ؛ لقوةِ الواردِ، وقد يحصلُ هذا لمن يفرحُ أو يحزنُ أو يخافُ أو يحبُّ، ففي أهلِ عشقِ الصُّوَرِ مَن أمرَضَه العشقُ أو قتَلَه أو جنَّنَه، وكذلك في غيرِهم.

فالحاصلُ؛ أنه إذا لم يكُنْ ثَمَّ تفريطٌ ولا عُدوانٌ، ولا ذنبَ له فيما أصابه، وحصَل له ضعفٌ؛ فليس بملومٍ، كمن سمع القرآنَ سَماعًا شرعيًّا، ولم يُفرِّطْ بتركِ ما يوجب له ذلك، وكذلك ما يرِدُ على القلوبِ مما يُسمُّونَه السكرَ والفناءَ، ونحوَه من الأمورِ التي تُغيِّبُ العقلَ، فإنه إذا كان السببُ محظورًا؛ لم يكُنِ السَّكْرانُ معذورًا، فإن السُّكْرَ لذةٌ بلا تمييزٍ، فإذا حصَل بمحرَّمٍ كالخمرِ والحشيشةِ؛ حرم بلا نزاعٍ، وقد يحصُلُ بسببِ محبةِ الصُّوَرِ كما قيل (١):

سُكْرَانِ سُكْرُ هوًى وسُكْرُ مُدامَةٍ … ومتَى إفاقةُ مَن به سُكْرانِ

وهذا مذمومٌ؛ لأن سببَه محظورٌ، وقد يحصلُ بسببِ سماعِ الأصواتِ المطربةِ، وهذا أيضًا مذمومٌ؛ فإنه ليس للرجلِ أن يسمعَ من الأصواتِ التي لم يُؤمَرْ بسَماعِها ما يزيلُ عقلَه؛ إذ إزالةُ العقلِ محرمةٌ، فمتى أفضى إليه سبب غير شرعيٍّ كان محرمًا، وما يحصُلُ في ضمن ذلك من لذةٍ قلبيةٍ أو روحيةٍ، ولو بأمورٍ فيها نوعٌ من الإيمانِ؛ فهي مغمورةٌ بما يحصُلُ معها من زوالِ العقلِ، ولم يأذَنِ اللهُ لنا أن نمتِّعَ قلوبَنا بما يكونُ سببًا لزوالِ عقولِنا، بخلافِ مَن زال عقلُه بسببٍ


(١) البيت لـ: ديك الجن الحمصي؛ عبد السلام بن رغبان، المتوفى (٢٣٦ هـ)، والبيت في ديوانه (ص ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>