للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشروعٍ، أو بأمرٍ صادَفَه لا حيلةَ له فيه.

وقد يحصلُ السُّكْرُ بسببٍ لم يفعَلْه العبدُ؛ كسماعٍ لم يقصِدْه، يهيِّج باطنَه ويحرِّك ساكنَه؛ فهذا لا يلامُ عليه، وما صدر في حالِ زوالِ عقلِه فهو فيه معذورٌ؛ لأن القلمَ رُفِع عنه؛ كالمغمى عليه والمجنونِ.

أما من زالَ عقله بمحرَّمٍ كالخمرِ، فهل هو مُكلَّفٌ حالَ زوالِ عقلِه؟ فيه قولانِ مشهورانِ، وفي طلاقِه نزاعٌ.

ومَن زال عقلُه بالبنجِ، فقيلَ: يلحقُ به، وقيلَ: لا؛ لأن هذا لا يُشتهَى، بخلافِ الخمرِ، ولهذا وجبَ الحدُّ في هذا دونَ هذا.

ومن هؤلاءِ من يغلبُ عليه الواردُ حتى يصيرَ مجنونًا، إما بخلطٍ أو غيرِه، ومن هؤلاءِ: عقلاءُ المجانينَ الذينَ يُعدُّونَ في النُّسَّاكِ، ويُسمَّونَ: المُولَهِينَ.

ففصلُ الخطابِ: أن هذه الأحوالَ إذا كانت أسبابُها مشروعةً، وصاحبُها صادقًا عاجزًا عن دفعِها؛ كان محمودًا على ما فعَلَه من الخيرِ، معذورًا فيما عجَز عنه وأصابه بغيرِ اختيارِه، وهم أكملُ ممن لم يبلُغْ منزلتَهم؛ لنقصِ إيمانِه وقساوةِ قلبِه.

ومَن لم يَزُلْ عقلُه معَ كونِه قد حصل له مِن الإيمانِ ما حصَل لهم، وأكملُ؛ فهو أفضلُ منهم (١)، وهذه حالُ الصحابةِ رضي الله عنهم، وحالُ نبِيِّنا صلى الله عليه وسلم، فإنه أُسرِي به، ورأى ما رأى، وأصبح ثابتَ العقلِ لم يتغيرْ،


(١) وهذه المرتبة الثالثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>