للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحالُه أكملُ من حالِ موسى الذي خَرَّ صَعِقًا لما تجَلَّى ربُّه للجبلِ، وحالُ موسى حال جليلةٌ فاضلةٌ عَلِيَّةٌ؛ لكن حالَ محمدٍ أفضلُ وأكملُ وأعلى صلى الله عليهما وسلم، فخيرُ الكلامِ كلامُ اللهِ، وخيرُ الهديِ هديُ محمدٍ، وأفضلُ الطرقِ ما كان عليه هو وأصحابُه.

فالصوفيُّ منسوبٌ إلى اللِّبْسةِ؛ لأنها ظاهرُ حالِهم.

ثم إن عندَهم حقائقَ وأحوالَ معروفةً، يشيرونَ بها إلى الصوفيِّ، كقولِ بعضِهم: «الصوفيُّ مَن صفا مِن الكَدَر، وامتلأ قلبُه مِن الفِكَر، واستوى عندَه الذهبُ والحَجَر»، «التصوفُ كتمانُ السرِّ، وتركُ الدعاوي»؛ وهم يشيرونَ إلى معنى الصدِّيقِ.

وقد انتسبَ إليهم طوائفُ من الزَّنادقةِ وغيرِهم؛ كالحَلَّاجِ مثلًا، فإن أكثرَ المشايخِ مشايخِ الطريقِ أنكروه، وأخرجوه عن الطريقِ؛ مثلُ: الجُنَيدِ بنِ محمدٍ سيد الطائفةِ وغيرِه؛ كما ذكر ذلك أبو عبدِ الرحمنِ السُّلميُّ في «طبقاتِ الصوفيةِ» (١)، والحافظُ أبو بكرٍ الخطيبُ في «تاريخِ بغدادَ» (٢).

وقد تنازَعَ الناسُ في طريقِهم، فطائفةٌ ذمَّت الصوفيةَ والتصوفَ، وقالوا: إنهم مبتدعونَ خارجونَ عن السُّنَّةِ.


(١) (ص ٢٣٦)، وقال: (والمشايخ في أمره مختلفون، ردَّه أكثر المشايخ ونفوه وأبوا أن يكون له قدم في التصوف).
(٢) (٨/ ٦٨٨)، وقال: (والصوفية مختلفون فيه، فأكثرهم نفى الحلاج أن يكون منهم، وأبى أن يعده فيهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>