للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال (١):

متَى تأتِنا تُلْمِمْ في دِيارِنا تجِدْ خيرَ نارٍ عندَها خيرُ موقِدِ

فإن الطارقَ يُلِمُّ بأهلِ المنزلِ قبلَ أن يدخُلَ إلى منزلِهم، ويقالُ: اللَّمَمُ أن يُلِمَّ بالذنبِ الصغيرِ مرةً من غيرِ إصرارٍ؛ لأن مَن أصَرَّ على الصغيرةِ صارَتْ كبيرةً، كما في «التِّرْمِذيِّ»: «لا صغيرةَ معَ إصرارٍ، ولا كبيرةَ معَ استغفارٍ» (٢)، فقد جاء الكتابُ والسُّنَّةُ بتكفيرِ الصغائرِ لمن اجتَنبَ الكبائرَ، وهذا لا رَيْبَ فيه.

ثم قال قائلونَ: مفهومُ هذا أنه لا تُكفَّرُ الصغائرُ إلا بهذا الشرطِ، فمن لم يجتنبِ الكبائرَ كلَّها لا تُكفَّرُ عنه صغيرةٌ.

وبالغت الخوارجُ والمعتزلةُ، فقالوا: إن من أتى كبيرةً استحقَّ العقوبةَ حتمًا، فتَحبَطُ جميعُ حسناتِه بتلكَ الكبيرةِ، ويستحقُّ التخليدَ في النارِ، لا يخرُجُ منها بشفاعةٍ ولا غيرِها.

وهذا قولٌ باطلٌ باتِّفاقِ الصحابةِ وسائرِ أهلِ السُّنَّةِ.

والمرجئةُ من الشيعةِ والأشعريةِ قابلوا المعتزلةَ، فقالوا: لا نجزِمُ بتعذيبِ أحدٍ من أهلِ التوحيدِ، وهذا أيضًا باطلٌ؛ بل تواتَرَتِ السننُ


(١) البيت لـ: الحطيئة، كما في الكتاب لسيبويه ٣/ ٨٦. إلا أن صدر البيت منه: مَتى تَأْتِه تَعْشو إلى ضَوْءِ نارِه.
(٢) لم نقف عليه في جامع الترمذي، وقد رواه القضاعي في مسند الشهاب (٨٥٣)، مرفوعًا، ورواه ابن جرير في التفسير (٦/ ٦٥١)، وابن أبي حاتم في التفسير (٥٢١٧)، البيهقي في الشعب (٦٨٨٢)، موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>