الطريقُ الثاني: أن يقالَ: الانقسامُ إن أريدَ به ثبوتُ الانقسامِ فيه بالفعلِ أو بالإمكانِ، بحيثُ يقبلُ التفريقَ والتبعيضَ؛ لم يسلَّمِ اللزومُ، ولا دليل عليه، وإنما ذَكر في الدليلِ أن كلَّ جانبٍ غيرُ الآخَرِ، ومُطلَقُ المغايرةِ لا يقتضي قبولَ التفريقِ والانفصالِ؛ فإن لفظَ «الغير» فيه اصطلاحانِ:
أحدُهما: اصطلاحُ الأشعريةِ ومَن وافَقَهم؛ أنه ما جاز مفارقةُ أحدِهما الآخرَ بزمانٍ أو مكانٍ أو وجودٍ، أو ما جاز مفارقةُ أحدِهما مطلقًا، ولهذا لا يقولونَ: صفاتُ اللهِ مغايرةٌ لذاتِه، بل لا يقولونَ: إن الصفةَ اللازمةَ للمخلوقِ مغايرةٌ له، ولا أن بعضَ الجملةِ مغايرةٌ لها، ولا الواحدُ من العشرةِ مغايرٌ لها، فعلى هذا؛ إذا لم يقبلِ التفريقَ لم يكُنْ أحد (١) الجانبين مغايرًا للجملةِ ولا للآخرِ.
والاصطلاحُ الثاني: أن حدَّ «الغيرين» ما جاز العلم بأحدِهما دونَ الآخرِ، وهو اصطلاحُ المعتزلةِ والكراميةِ، فعلى هذا تكونُ صفةُ الموصوفِ مغايرةً له، وتكون صفاتُ اللهِ مغايرةً لذاتِه، ويكونُ كلامُ اللهِ غيرَ اللهِ.
وعلى قول الأولينِ: لا يكونُ كلامُه غيرَه.
والذي عليه السَّلَفُ: أنه لا يُطلَقُ إثباتُ المغايرةِ ولا نَفْيُها؛ لكن يُفصَّلُ: هل أُريدَ بالغيرِ أنه يمكنُ العلم بهذا دونَ هذا، وأريدَ أنه يمكنُ
(١) قوله: (أحد) سقط من الأصل، وهي مثبتة في (ك) و (ع) و (ز).