للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن ذلك لا يوجبُ تعدُّدًا ولا تكثيرًا، بل هو راجعٌ إلى سلبِ أوصافه.

وأما الحجةُ الثانيةُ؛ فجوابُها أن يقالَ: الجهةُ إما أن يُرادَ بها أمرٌ موجودٌ، أو معدومٌ:

فإن أُريدَ بها أمرٌ موجودٌ؛ فما ثَمَّ موجودٌ إلا اللهُ ومخلوقاتُه، والله ليس في مخلوقاتِه.

وإن أُريدَ بها أمرٌ معدومٌ؛ فالمعدومُ ليس بشيءٍ يحوي الموجودَ، وإنما يُقدَّرُ فيه الموجودُ تقديرًا.

فقولُه: (يلزمُ قِدَمُ الجهةِ أو الانتقالُ)؛ إنما يصِحُّ لو قيلَ: إنه في موجود سواه، وأما إذا أريد بذلك أنه فوقَ العالَمِ، أو وراءَ العالمِ، وليس هناك غيرُه، فليس هناك شيءٌ موجودٌ غيرُه، حتى يقالَ: إنه قديم، وأما القدمُ؛ فإن قيلَ: إنه قديمٌ؛ فهو لعدمِ سائرِ المخلوقاتِ، وقدمُ العدمِ بهذا التفسيرِ ليس بممتنعٍ، فظهر فسادُ لزومِ أحدِ الأمرينِ.

وأما لزومُ الانتقالِ؛ فللناسِ عنه جوابانِ مبنيانِ على جوازِ قيامِ الصفاتِ الفعليةِ المتعلقةِ بالمشيئةِ بذاتِه، فمن لم يُجوِّزْ ذلك قال: إنه لمَّا خلَق العالمَ لم ينتقلْ هو ولم يتغيرْ؛ بل خلَقَه مباينًا له، لم يدخُلْ في العالمِ، ولم يدخُلِ العالمُ فيه، وحدَثَت بينَه وبينَ العالمِ إضافة كما حدثت إضافةُ المعيَّةِ، وحدوثُ الإضافاتِ جائزٌ اتفاقًا؛ بل لا بدَّ منه، وهذا قولُ مَن يقولُ: الاستواءُ إضافةٌ محضةٌ، وأنه فعَلَ فِعْلَةً في العرشِ صار به مستويًا عليه لكونِه خلَق العرشَ تحتَه، فلزم أن يكونَ فوقَه من غيرِ حركةٍ من الربِّ، ولا تحولٍ قائمٍ بذاتِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>