للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محضٌ، وهي حسنةٌ محبوبةٌ في حقِّ كلٍّ من النبيينَ والصدِّيقينَ والشهداءِ والصالحينَ، لا يخرُجُ عنها مؤمنٌ قطُّ، وهذه المقاماتُ للخاصةِ خاصَّتُها، وللعامةِ عامَّتُها.

والعبادةُ هي الغايةُ التي خلَق اللهُ لها العبادَ من جهةِ أمرِ اللهِ ومحبتِه ورضاه، وهو اسمٌ يجمعُ كمالَ الحبِّ لله ونهايتَه، وكمالَ الذلِّ ونهايتَه، والحبُّ الخليُّ عن الذلِّ، والذلُّ الخليُّ عن الحبِّ؛ لا يكونُ عبادةً، وإنما العبادةُ ما جمَع كمالَ الأمرينِ، ولهذا كانت العبادةُ لا تصلُحُ إلا للهِ، وهي وإن كانت للعبدِ منفَعتُها واللهُ غنيٌّ عن العالمينَ؛ فهي له من جهةٍ أخرى؛ من جهةِ محبتِه لها ورضاه بها، ولهذا كان أشدَّ فرحًا بتوبةِ عبدِه من الفاقدِ لراحلتِه عليها طعامُه وشرابُه، في أرضٍ دَوِّيَّةٍ مهلكةٍ، إذ نام آيِسًا منها، ثم استيقظَ فوجَدَها، فاللهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه مِن هذا براحلتِه، وهذا يتعلقُ به أمورٌ جليلةٌ شرَحْناها في غيرِ هذا الموضعِ.

وروَى الطبرانيُّ في «كتابِ الدعاءِ» أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يقولُ اللهُ تعالى: يا ابنَ آدمَ، إنما هي أربعٌ، واحدةٌ لي، وواحدةٌ لكَ، وواحدةٌ بيني وبينَكَ، وواحدةٌ بينَكَ وبينَ خَلْقي، فأما الذي هي لي: فتعبُدُني لا تشركُ بي شيئًا، وأما التي هي لكَ: فعملُكَ أجزيكَ به أحوجَ ما تكون إليه، وأما التي بيني وبينكَ: فمنك الدعاءُ، وعليَّ الإجابةُ، وأما التي بينَكَ وبينَ خَلْقي: فائتِ الناسَ ما تحبُّ أن يأتوه لكَ» (١).


(١) رواه الطبراني في الدعاء (١٢)، ورواه البيهقي في شعب الإيمان أيضًا (١٠٦٧١)، من حديث أنس رضي الله عنه.
وينظر أصل الفتوى من أول الفصل إلى هنا في مجموع الفتاوى ١٠/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>