وأيضًا: فإن اللهَ تعالى يقولُ: {وما كان صلاتهم عندَ البيت إلا مكاء وتصدية}، قال السَّلف: المُكاءُ: الصفير، والتصديةُ: التصفيقُ باليدِ، فقد أخبر عن المشركين أنهم كانوا يجعلونَ التصفيقَ والغناءَ لهم صلاةً وعبادةً وقربةً، يعتاضونَ به عن الصَّلاةِ التي شرَعَها اللهُ ورسولُه.
وأما المسلمونَ من الصحابةِ والتابعِينَ؛ فصلاتُهم وعبادتُهم القرآنُ واستماعُه، والركوعُ والسجودُ، وذِكْرُ اللهِ ودعاؤُه، ونحوُ ذلك مما يحبُّه اللهُ، فمن اتخذَ الغناءَ والتصفيقَ عبادةً؛ فقد شابَهَ المشركينَ، فإن فعَلَه في بيوتِ اللهِ؛ فقد شابَهَهم أكثرَ وأكثرَ، وإن اشتَغلَ به عن الصَّلاةِ والقرآنِ؛ فقد عظُمتِ المشابهةُ لهم، وصار له كِفْلٌ عظيمٌ من الذمِّ الذي دلَّ عليه القرآن؛ لكن قد يُغفَرُ لهم بحسناتٍ، أو اجتهادٍ، أو غيرِ ذلك مما يفترقُ فيه المسلمُ والكافرُ؛ لكن مفارقتَه للمشركينَ في غيرِ هذا؛ لا يمنعُ أن يكونَ ملومًا خارجًا عن الشريعةِ، داخلًا في البدعةِ التي ضاهَى بها المشركينَ.
فينبغي للمؤمنِ أن يتفطنَ لهذا، ويُفرِّقَ بينَ سماعِ المسلمِينَ الذي أمَر اللهُ به، وسماعِ المشركينَ الذي نهى الله عنه، ويعلمَ أن هذا السماعَ المُحدَثَ من جنسِ سماعِ المشركينِ، ومعَ ذلك فقد شرَطوا له شروطًا لا تكادُ توجدُ في سماعٍ، فعامةُ هذه السماعاتِ خارجةٌ عن إجماعِ المشايخِ، وليس للعالَمينَ شريعةٌ سوى التي جاء بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فخيرُ الكلامِ كلامُ اللهِ، وخيرُ الهدي هدي محمدٍ.