للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونكتةُ ذلك: أن الصوتَ يؤثرُ في النفسِ بحسَبِه، فتارةً يُفرِحُ، وتارةً يُحزِنُ، وتارةً يُغضِبُ، وتارةً يُرضِي، وإذا قوِي أسكَرَ الروحَ، فتصيرُ في لذةٍ مطربةٍ من غيرِ تمييزٍ، كما يحصُلُ لها إذا سكرتْ بالصورِ، والجسدِ إذا سكِر بالطعامِ أو الشرابِ، فإن السُّكْرَ هو الطَّرَبُ الذي يُورِثُ لذةً بلا عقلٍ، فلا تقومُ منفعةُ تلك اللذةِ بما يحصُلُ من غَيْبةِ العقلِ الذي صَدَّتْ عن ذكرِ اللهِ وعن الصَّلاةِ، وأورَثَتْ العداوةَ والبغضاءَ.

وبالجملةِ؛ فعلى المؤمنِ أن يعلمَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يتركْ شيئًا يُقرِّبُ إلى الجنةِ إلا وقد حدَّث به، ولا شيئًا يُبعِدُ عن النارِ إلا وقد حدَّث به، ولو كان في هذا السماعِ مصلحةٌ شرعيةٌ؛ لشرَعَه اللهُ ورسولُه، فإنه يقولُ: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، وإذا وجَد فيه منفعةً بقلبِه، ولم يجدْ شاهدَ ذلك من الكتابِ والسُّنَّةِ؛ لم يَلْتفِتْ إليه، كما أن الفقيهَ إذا رأى قياسًا لا يشهدُ له الكتابُ والسُّنَّةُ؛ لم يَلتفِتْ إليه ويكونُ باطلًا.

وقال أبو سليمانَ الدارانيُّ: (إنه ليمُرُّ بقلبي النكتةُ من نُكَتِ القومِ، فلا أقبَلُها إلا بشاهدَيْن عدلين: الكتابِ والسُّنَّةِ)، وقال أيضًا: (ليس لمن أُلهِمَ شيئًا من الخيرِ أن يَفعلَه حتى يجدَ فيه أثرًا، فإذا وجَد فيه أثرًا؛ كان نورًا على نور)، وقال الجُنَيدُ: (عِلمُنا هذا مقيدٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ، فمن لم يقرَأِ القرآنَ ويكتب الحديثَ؛ لم يصلُحْ له أن يتكلمَ في علمِنا).

<<  <  ج: ص:  >  >>