وقد حضَره جماعةٌ من المشايخِ، وشرَطوا له المكانَ والإمكانَ والخِلَّانَ، وأكثرُ الذينَ حضَروه من المشايخِ؛ المعروفُ أنهم رجَعوا عنه في آخِرِ عمرِهم؛ كالجُنَيدِ، وكان يقولُ:(من تكلَّفَ السماعَ فُتِنَ به، ومَن صادَفَه استراحَ)، فقد ذَمَّ مَن يجتمعُ له، ورخَّص لمن لا يقصِدُه؛ بل صادَفَه.
وسببُ ذلك: أنه مجمل؛ فيه شعر يحتمل حبَّ الرحمنِ، والمردانِ والنِّسوانِ والصلبانِ والإخوانِ والأوطانِ، فقد يكونُ فيه منفعةٌ إذا حرَّك الساكنَ، وكان مما يحبُّه اللهُ ورسولُه؛ لكن فيه مضرةً راجحةً على منفعتِه؛ كالخمرِ والميسرِ؛ فإن {فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}، فلهذا لم تأتِ به الشريعةُ، فإنها لم تأتِ إلا بالمصلحةِ الخالصةِ أو الراجحةِ.
أما ما غَلبتْ مفسدتُه فلا تأتي به شريعةٌ، وذلك أنه يهيجُ الوَجدَ المشتركَ، فيُثيرُ من النفسِ كوامنَ تضُرُّه آثارُها، وتعدي النفسَ وتُتعِبُها به، فيعتاضُ به عن سماعِ القرآنِ؛ حتى لا يبقى فيها محبةٌ لسماعِ القرآنِ، ولا الالتذاذُ به؛ بل يبقى في النفسِ بغضٌ لذلك، كمن شغَل نفْسَه بتعلُّمِ علمِ التوراةِ والإنجيلِ وعلومِ أهلِ الكنائسِ، واستفادةِ العلمِ والحكمةِ منها، وأعرَضَ بذلك عن كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه، إلى أشياءَ أخَرَ يطولُ شرحُها، فلما كان هذا السماعُ لا يعطي بنفْسِه ما يحِبُّ اللهُ ورسولُه من الأحوالِ والمعارفِ، بل قد يصُدُّ عن ذلك، ويُعطي ما لا يحبُّه اللهُ ورسولُه، أو ما يُبغِضُه؛ لم يأمُرِ اللهُ به ولا رسولُه، ولا سلَفُ الأمةِ، ولا أعيانُ مشايخِها.