للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثَّر آثارًا محمودةً ولم يُخرِجْ عن العقلِ؛ لكانوا أكملَ.

وأما سَماعُ القصائدِ لصلاحِ القلوبِ والاجتماعِ على ذلك، إما نشيدًا مجردًا، وإما مقرونًا بالتغبيرِ (١) ونحوِه؛ مثلِ: الضربِ بالقضيبِ على الجلودِ حتى يطيرَ الغبارُ، وإمَّا بالتصفيقِ ونحوِه؛ فهذا السماعُ مُحدَثٌ في الإسلامِ بعدَ ذهابِ القرونِ الثلاثةِ، وقد كرِهَه أعيانُ الأئمَّةِ، ولم يحضُرْه أكابرُ المشايخِ، فقال الشافعيُّ: «خلَّفْتُ ببغدادَ شيئًا أحدَثَتْه الزَّنادِقةُ يُسمونَه التغبيرَ، يصُدُّونَ به الناسَ عن القرآنِ»، وسُئِلَ الإمامُ أحمدُ؟ فقال: «هو مُحدَثٌ، أكرَهُه»، قيلَ له: إنه يُرِقُّ القلبَ، قال: لا تجلسْ معَهم، قيلَ: أيُهجَرونَ؟ فقال: «لا يبلُغُ بهم هذا كلُّه».

فتبيَّنَ أنه بدعةٌ، ولو كان للناسِ فيه منفعةٌ لفعَلَه القرونُ الثلاثةُ، ولم يحضرْه مثلُ ابنِ أدهمَ، والفضيلِ، ومعروفٍ، وسَرِيٍّ، وأبي سليمانَ الدارانيِّ، والشيخِ عبدِ القادرِ، والشيخ عدي، وأبي البيان، والشيخ حياة، بل في كلام بعضهم - كالشيخ عبد القادر وغيرِه - النهيُ عنه، وكذلك أعيانُ المشايخِ.


(١) قال في تاج العروس ١٣/ ١٩٥: (وقال ابن دريد: التغبير: تهليل أو ترديد صوت يردد بقراءة وغيرها. ومثله قول ابن القطاع، ونصه: وغبر تغبيرًا: وهو تهليل وترديد صوت بقراءة أو غيرها. فقوله: أو غيرها وكذا قول ابن دريد: وغيرها، المراد به ما قال الليث ما نصه: وقد سموا ما يطربون فيه من الشعر في ذكر الله تغبيرًا، كأنهم إذا تناشدوه بالألحان طربوا فرقصوا وأرهجوا، فسموا المغبرة لهذا المعنى).

<<  <  ج: ص:  >  >>