للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو مُستحَبٌّ لهم في غير الصلاة، كما في الصحيحِ أنه قال لابنِ مسعودٍ: «اقرأ عليَّ»، فقلتُ: أقرأُ عليكَ وعليكَ أُنزِلَ؟! فقال: «إنِّي أحِبُّ أن أسمعَه مِن غيري»، فقرأتُ عليه سورةَ النساءِ حتى قرأتُ قولَه: {فكيفَ إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاءِ شهيدا}، فقال: «حَسْبُكَ»، فنظرتُ فإذا عيناه تذرفانِ (١)، وكان الصحابةُ إذا اجتمعوا أُمِر أحدُهم يقرأ، والباقون (٢) يستمعونَ (٣).

وهذا السماعُ له آثارٌ إيمانيةٌ من المعارفِ القدسيةِ والأحوالِ الكونيةِ، يطولُ شرحُها، وله في الجسدِ آثارٌ محمودةٌ من خشوعِ القلبِ، ودموعِ العينِ، واقشعرارِ الجلدِ.

وقد ذكَر اللهُ هذه الثلاثةَ في القرآنِ، وكانت موجودةً في الصحابةِ، وحدَثَ بعدَهم آثارٌ ثلاثةٌ؛ من الاضطرابِ، والصراخِ، والإغماءِ أو الموتِ، فأنكَرَ بعضُ السَّلَفِ ذلك؛ إما لبدعَتِهم، وإما لتصنُّعِ صاحبه، وجمهورُ السَّلَفِ لا يُنكِرُ ذلك إذا كان السماعُ شرعيًّا، فإن السببَ إذا لم يكُنْ محذورًا؛ كان صاحبُه معذورًا، وسبَبُه ضعفُ القلبِ وقوةُ الواردِ، ولو لم يُؤثِّرْ لكان مذمومًا، كما قال: {ولا تكونوا كالذينَ أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}، ولو


(١) رواه البخاري (٤٥٨٣)، ومسلم (٨٠٠)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٢) في (الأصل): والتابعون. والمثبت من (ك) و (ع).
(٣) من ذلك: ما رواه عبد الرزاق (٤١٧٩)، والدارمي (٣٥٣٦)، وابن حبان (٧١٩٦)، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كان عمر بن الخطاب إذا جلس عنده أبو موسى ربما قال له: ذكرنا ربنا يا أبا موسى قال: «فيقرأ».

<<  <  ج: ص:  >  >>