فعامةُ ما يُذكَرُ في فضلِ هذه الأماكنِ في كلامِ المتقدمينَ هو لأجلِ كونِها كانت ثغورًا، لا لخاصيةٍ في ذلك المكانِ، وكونُ البقعةِ ثَغرًا وغيرَ ثَغْرٍ هو من الصفاتِ العارضةِ لها لا الملازمةِ، بمنزلةِ كونها دارَ إسلامٍ أو دارَ كفرٍ، فذلك يختلفُ باختلافِ سُكَّانِها وصفاتِهم، بخلافِ المساجدِ الثلاثةِ؛ فإن حرمَتَها صفةٌ لازمةٌ لها، لا يمكنُ إخراجُها عن ذلك، وأما سائرُ المساجدِ فبين العُلماءِ نزاعٌ في جوازِ تغييرِها للمصلحةِ وجعلِها غيرَ مسجدٍ، كما فعَل عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه بمسجدِ الكوفةِ؛ لما بدَّلَه وجعَلَه حَوانيتَ للتمَّارِينَ (١)، وهذا مذهَبُ إمامِ الأئمَّةِ أحمدَ بن حنبل وغيرِه.
وكان قد فتَح المسلمونَ قُبرُصَ، فتحها معاويةُ في خلافةِ عثمانَ، فكانت هذه الأماكنُ - السواحلُ الشاميةُ - ثُغورًا، ثم في أثناءِ المائةِ الرابعةِ تغَلَّبَت على الخلافةِ الرافضةُ والمنافقونَ وصار لهم دولةٌ، فغلَبَ النصارى على عامةِ السواحلِ وأكثرِ بلادِ الشامِ، وقهروا الروافضَ والمنافقينَ وغيرَهم، إلى أن يسَّر اللهُ بولاةِ ملوكِ السُّنَّةِ؛ مثلِ: نورِ الدينِ، وصلاحِ الدينِ، فاستنقَذوا عامةَ الشامِ من النصارى، وبقِيتْ