بقايا الروافضِ والمنافقينَ في جبلِ لبنانَ وغيرِه، ليس فيه فضيلةٌ، ولا يُشرَعُ، بل ولا يجوزُ المقامُ بينَ النصارى والروافضِ إذا منعوا المسلمَ عن إظهارِ دينِه.
وصار طائفةٌ من الذينَ يؤثرونَ الخلوةَ يُحِبُّونَ هذه الأماكنَ، ويظنونَ أن فضيلتَها لأجلِ ما فيها من الخلوةِ والمباحات، فيقصدونَه لأجلِ ذلك، وهذا غلَطٌ وخطأٌ؛ فإن سُكْنى الجبالِ والغِيرانِ والبَوادي غيرُ مشروعةٍ للمسلمِينَ؛ إلا عندَ الفتنةِ في الأمصارِ التي تخرِجُ الرجلَ إلى ترك دينه، فيهاجرُ المسلمُ من أرضٍ يعجِزُ فيها عن إقامةِ دينِه إلى أرضٍ يمكنُه فيها إقامةُ دينِه، وربما كان فيه بعضُ الأوقاتِ من الزهادِ والنُّسَّاكِ ممَّن هو إما ظالمٌ لنفْسِه، وإما مقتصدٌ مخطئٌ مغفورٌ له، وأمَّا السابقونَ؛ فهم الذينَ يتقربونَ بالنوافلِ بعدَ الفرائضِ.
ولا خلافَ أنَّ جنسَ النُّساكِ والزُّهادِ الساكنينَ في الأمصارِ أفضلُ من جنسِ ساكني الجبالِ والبوادي؛ كفضيلةِ القرويِّ على البدويِّ، والمهاجرِ على الأعرابيِّ، قال اللهُ تعالى:{الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله}، وفي الحديثِ:«إنَّ من الكبائرِ أن يرتدَّ الرجلُ أعرابيًّا بعدَ الهجرةِ»(١)، هذا لمن هو ساكنٌ في الباديةِ بينَ الجماعةِ، فكيفَ بالمقيمِ وحدَه دائمًا في جبلٍ أو باديةٍ؟! فإنه يفوتُه من مصالحِ دينِه نظيرُ ما يفوتُه مِن مصالحِ
(١) رواه البخاري في الأدب المفرد (٥٧٨)، بمعناه موقوفًا على أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه الطبراني في الأوسط (٥٧٠٩)، مرفوعًا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.