إن مما لاشك فيه أن هناك تأثيرًا كبيرًا على الإنسان من البيئة التي يعيش فيها؛ لأن الصلة بينهما ثابتة لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال؛ لذلك كان من المهم عند دراسة حال شخص ما أن نتعرف على الزمان والمكان الذي عاش فيه، ومدى تأثره بذلك، وأيضًا مدى تأثيره هو في مجتمعه وعصره، وذلك من خلال الكلام في الحالة السياسية، والعلمية، والاجتماعية.
أولًا: الحالة السياسية.
عاش الإمام شمس الدين أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن أحمد بن المحب الصامت المقدسي الحنبلي في القرن الثامن الهجري (٧١٢ هـ - ٧٨٩ هـ).
وقبل هذا القرن عاشت الأمة الإسلامية وخاصة بلاد ما وراء النهر وخراسان والعراق والشام فترة من أصعب الأوقات التي مر بها العالم الإسلامي، ويمكن أن نلخص تلك المصائب التي وقعت في تلك العصور فيما يلي:
١ - التتار المغول من جهة المشرق.
٢ - الصليبيون الحاقدون من جهة المغرب.
٣ - الفتن الداخلية، والحروب التي تحصل جراء التنافس على الرئاسة والمناصب.
ومن سَلِمَ مِنَ المسلمين من الأولى والثانية، فإنه لم يسلم من الثالثة.
يقول ابن الأثير:"ولقد بُلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأمم، منها هؤلاء التتر، قبحهم اللَّه، أقبلوا من المشرق، ففعلوا الأفعال التي يستعظمها كل من سمع بها، وستراها مشروحة متصلة، إن شاء اللَّه تعالى، ومنها خروج الفرنج، لعنهم اللَّه، من المغرب إلى الشام، وقصدهم ديار مصر، وملكهم ثغر دمياط منها، وأشرفت ديار مصر والشام وغيرها على أن يملكوها لولا لطف اللَّه تعالى ونصره عليهم، وقد ذكرناه سنة ٦١٤ هـ، ومنها أن الذي سلم من هاتين الطائفتين فالسيف بينهم مسلول، والفتنة قائمة على ساق، وقد ذكرناه أيضًا، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون"(١).
(١) انظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري (١٠/ ٣٣٥).