للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤ - أن تحريفهم لمعنى المحبة بأنها الإرادة يتضمن باطلًا وهو: أنه تعالى يحب كل ما أراده من خير وشر وإيمان وكفر، وطاعة ومعصية، ولهذا وجماهير المسلمين يعرفون أنّ هذا القول معلوم الفساد بالضرورة من دين أهل الملل، وأنّ المسلمين واليهود والنصارى متفقون على أنّ اللَّه لا يُحبّ الشرك، ولا تكذيب الرسل، ولا يرضى ذلك، بل هو يُبغض ذلك ويمقته ويكرهه؛ كما ذكر اللَّه في سورة بني إسرائيل ما ذكره من المحرّمات، ثمّ قال: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨)[الإسراء: ٣٨] (١).

[الرد على حجتهم الأولى]

١ - أن القول في الصفات كالقول في الذات، فإن اللَّه ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تماثل صفات سائر الذوات (٢)، واللَّه تعالى ليس كمثله شي لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

٢ - نقول لمن قال ذلك القول: ما الفرق بين ما قررته وبين ما تأولته؟

فإن قال: لأن الحب هو ميل القلب إلى المحبوب، وذلك لا يليق باللَّه.

قيل له: هذا حبنا، ومحبة اللَّه ليس مثل محبتنا، بل يقال له: هذا هو مقتضى المحبة فينا أو موجبه، ليس هو نفس المحبة، واللَّه تعالى لا يوصف بما نحتاج إليه نحن في ثبوت الصفات، فإنه عليم، ولا يحتاج في علمه إلى النظر والاستدلال الذي يحصل لنا العلم، وهو قدير ولا يحتاج إلى مزاج وعلاج يحصل له القوة، وهو بصير ولا يحتاج إلى شحمة، وهو متكلم ولا يحتاج إلى لسان وشفتين، فكذلك غضبه لا يفتقر إلى ما يفتقر إليه غضبنا.

فإن قال: أنا لا أعرف المحبة إلا هكذا. قيل له: فتأول الإرادة، فإن الإرادة فينا هي ميل القلب إلى جلب ما ينفعه أو دفع ما يضره، واللَّه تعالى لا يوصف بذلك.

فإن قال: إرادته ليست كإرادتنا. قيل له: فقل في المحبة كذلك، وهكذا في سائر الصفات (٣)، وما قيل في صفة المحبة للَّه ﷿ يقال أيضًا في صفة الغضب والرضى ونحوها من صفات اللَّه ﷿.


(١) انظر: النبوات لابن تيمية (١/ ٢٨٨).
(٢) انظر: التدمرية لابن تيمية (ص ٤٣).
(٣) انظر: جامع المسائل لابن تيمية (٣/ ١٧٥) بتصرف.