للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المبحث الثاني: الحالة الاجتماعية]

بحكم البيئة الاجتماعية المختلفة التي كان يعيشوها المماليك، وعدم اختلاطهم بسكان مصر، والتزواج منهم، أنتج ذلك بيئة مختلفة في أهدافها ومظاهرها عن أنواع المجتمعات التي أفرزتها نظم الحكم السابق. وأشهر ما انفردوا به ابتعادهم وترفعهم عن الناس، إذ كانت صفة العصبية هي أبرز صفة تميزوا بها، وظهر ذلك جليًا في حديثنا عن الواقع السياسي المضطرب، وما تخلله من حروب وفتن انعكست على الحياة الاجتماعية التي عاشتها الدولة المملوكية، مما كان سببًا في تعكير صفو الحياة الأمنية والاقتصادية والإدارية (١).

ففي مصر: اتصفت الحياة الاجتماعية بحياة صاخبة نشطة مليئة بالحركة.

وانقسم المجتمع فيها إلى طبقات مختلفة:

١/ المماليك: الذين كانوا يحكمون البلاد ويتمتعون بالجزء الأكبر من خيراتها دون أن يحاولوا الامتزاج بأهلها، وكانوا يتمتعون بثروة عظيمة، وحياةٍ يملؤها الترف والنعيم.

٢/ التجارُ والمعممون؛ فقد احتفظوا بمكانة مرموقة في المجتمع وبمستوى لائق من المعيشة.

٣/ غالب أهل البلاد من العوام والفلاحين: فهؤلاء ظلت حياتهم أقرب إلى البؤس والحرمان.

وكانت القاهرة والمدن الكبرى تفيض بالنشاط في عصرهم؛ إذ عني سلاطين المماليك بتجميلها ونظافتها، وامتازت بأسواقها العديدة المليئة بأصناف البضائع والتي خضعت لرقابة المحتسب وهو ذو رأي وصرامة وخشونة في الدين، كذلك اهتموا بإنشاء كثير من المنشآت الإجتماعية المتنوعة كالفنادق والخانات والوكالات والأسبلة والحمامات وغيرها، وامتازت الحياة الإجتماعية في عصرهم بكثرة الأعياد الدينية والقومية، والمبالغة في إحيائها (٢).

وفي الشام: كان أهل الشام لا يختلفون عن أهل مصر من حيث أنهم مغلوبون على أمرهم، يخضعون لحكَّام استأثروا بالحكم والوظائف، ويحرمونهم من المشاركة في أمور البلاد، فكان المماليك هم أصحاب السيادة والسيطرة والنفوذ، وأما أهل بلاد الشام الأصليون فقد


(١) انظر: تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام (ص: ٨،٧) بتصرف.
(٢) انظر: مصر والشام في عصر الأيبوبيين والمماليك (ص: ٢٦٩ - ٢٧١)، والأيوبيون والمماليك في مصر والشام لابن عاشور (ص:٣١٧).