للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الأول: الأدلة العقلية للأشاعرة القائلين بأن اللَّه تعالى يُرى في غير جهة.

استدل الأشاعرة على جواز رؤية اللَّه تعالى بأدلة عقلية، وهي:

١ - دليل الوجود: وهو أن كل موجود مرئي سواءً أمكن مشاهدته أم لم يمكن.

قال الجويني: "الدليل على جواز الرؤية عقلًا أن الرب موجود، وكل موجود مرئي" (١). ويدخل في ذلك جميع الموجودات كالأصوات والروائح والملموسات والطعوم (٢).

٢ - معنى الرؤية ومفهوما والمراد بها. وجميع ذلك هو حقيقة الرؤية.

قال الغزالي: "لا حقيقة لها إلا أنها نوع إدراك هو كمال ومزيد كشف بالاضافة إلى التخيل، إلا أن هذا الكمال في الكشف غير مبذول في هذا العالم، والنفس في شغل البدن وكدورة صفائه، فهو محجوب عنه. وكما لا يبعد أن يكون الجفن أو الستر أو سواد ما في العين سببًا بحكم اطراد العادة الامتناع الإبصار للمتخيلات فلا يبعد أن تكون كدورة النفس وتراكم حجب الأشغال بحكم اطراد العادة مانعًا من إبصار المعلومات. فإذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور، وزكيت القلوب بالشراب الطهور، وصفيت بأنوع التصفية والتنقية، لم يمتنع أن تشتغل بسببها لمزيد استكمال واستيضاح في ذات اللَّه سبحانه أو في سائر المعلومات، يكون ارتفاع درجته عن العلم المعهود كارتفاع درجة الإبصار عن التخيل، يعبر عن ذلك بلقاء اللَّه تعالى ومشاهدته أو رؤيته أو إبصاره أو ما شئت من العبارات. فلا مشاحة فيها وبعد إيضاح المعاني. وإذا كان ذلك ممكنًا بأن خلقت هذه الحالة في العين، كان اسم الرؤية بحكم وضع اللغة عليه أصدق وخلقه في العين غير مستحيل. كما أن خلقها في القلب غير مستحيل فإذا فهم المراد بها أطلقه أهل الحق من الرؤية، علم أن العقل لا يحيله بل يوجبه، وأن الشرع قد شهد له فلا يبقى للمنازعة وجه إلا على سبيل العناد أو المشاحنة في إطلاق عبارة الرؤية أو القصور عن درك هذه المعاني الدقيقة التي ذكرناها" (٣).

٣ - أن كل مرئي فهو في جهة، وهذا إنما هو حكم الشاهد لا حكم الغائب، وهذا الموضع ليس من المواضع التي يجب فيها نقل حكم الشاهد إلى الغائب، وإنه جائز أن يرى الإنسان ما ليس في جهة، إذا كان جائزًا أن يرى الإنسان بالقوة المبصرة نفسها دون عين (٤).


(١) انظر: لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة للجويني (ص ١١٥).
(٢) انظر: شرح المواقف للجرجاني (ص ١٣٩).
(٣) انظر: الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص ٤٥ - ٤٦) باختصار.
(٤) انظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (٢/ ٤٣٩).