للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كانت الخوارج تؤمن برؤية الله في الآخرة كالجماعة، ففي تاريخ محمد بن جرير في سنة ست وسبعين، بإسناده من شبيب (١)، كتب إلى صالح بن مسرح التميمي (٢)، وقال في كتابه: "جعلنا الله وإياكم ممن يريد بعلمه الله والدار الآخرة ورضوانه، والنظر إلى وجهه، ومرافقة الصالحين في دار السلام" (٣).

١٧ - باب رؤية اللّه في الآخرة (٤)

وقال الفضل بن زياد (٥): سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وبلغه عن رجل قال: إن الله لا يُرى في الآخرة، فغضب غضبًا شديدًا ثم قال: من قال إن الله لا يُرى في الآخرة فقد كفر، عليه لعنة الله وغضبه من كان من الناس، أليس الله ﷿ قال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، وقال ﷿: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥] هذا دليل على أن المؤمنين يرون الله ﷿ (٦).

أخبرنا بذلك أبو بكر بن أحمد (٧).


(١) شبيب بن يزيد بن أبي نعيم الشيباني (٢٦ - ٧٧ هـ). رأس الخوارج بالجزيرة، وفارس زمانه .. انظر: السير (٤/ ١٤٦) (رقم: ٥٠).
(٢) صالح بن مُسَرَّح التميمي. مات سنة: (٧٦ هـ) زعيم الصفرية، وأول من خرج فيهم. كان كثير العبادة يقيم في أرض دارا والموصل والجزيرة، وله أصحاب يقرأ لهم القرآن ويعظهم، ولكنه يحط على الخليفتين عثمان وعلي كدأب الخوارج، ويتبرأ منهما، فدعا أصحابه إلى الخروج وإنكار الظلم، وجهاد المخالفين لهم، فأجابوه، ووفد عليه شبيب بن يزيد فكان قائد جيشه. ونشبت الوقائع بينه وبين أمير الجزيرة (محمد بن مروان) فقتل صالح بالقرب من الموصل، قتله الحارث بن عمير الهمداني. انظر: تاريخ الإسلام (٢/ ٧٦٨)، والأعلام للزكلي (٣/ ١٩٧).
(٣) انظر: تاريخ الطبري لابن جرير (٦/ ٢١٨).
(٤) والذي عليه جمهور "السلف" أن الله يرى في الآخرة بالأبصار عيانًا مواجهةً، كما هو المعروف بالعقل. وأن من جحد رؤية الله في الدار الآخرة فهو كافر؛ فإن كان ممن لم يبلغه العلم في ذلك عرف ذلك كما يعرف من لم تبلغه شرائع الإسلام فإن أصر على الجحود بعد بلوغ العلم له فهو كافر. والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة، قد دون العلماء فيها كتبًا. انظر: مجموع الفتاوى (٢/ ٣٣٦) و (٦/ ٤٨٦)، ومنهاج السنة (٣/ ٣٤١).
(٥) الفضل بن زياد القطان. حدث عنه: يعقوب بن سفيان الفسوي، وجعفر بن محمد الصندلي، وغيرهما. أحد أصحاب أحمد بن حنبل، وممن أكثر الرواية عنه. قال أبو بكر الخلال: والفضل بن زياد من المتقدمين عند أبي عبد الله، وكان أبو عبد الله يعرف قدره، ويكرمه، .. انظر: تاريخ بغداد (١٤/ ٣٣٠) (رقم: ٦٧٥٠).
(٦) يأتي.
(٧) أبو بكر بن أحمد بن عبد الدائم المقدسي، مسند الشام، سبقت ترجمته في الحديث رقم (١٩).