للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المبحث الثالث: الحالة العلمية]

على الرغم من كثرة الفتن والنزاعات، وما خلفته الحروب من الاضطرابات، وما ظهر في المجتمع من الأوبئة وتعدد الطبقات، وما نتج عن ذلك من عدم الأمن والاستقرار، إلا أن الحركة العلمية في عصر المماليك ازدهرت ازدهارًا واسعًا، وأصبحت مصر محورًا لنشاط علمي متعدد الأطراف.

ويرجع ذلك إلى ما أصاب العالم الإسلامي في المشرق على أيدي التتار، وفي الأندلس على أيدي الصليبيين من كوارث، فضلًا عما أصاب الشام بسبب هجمات التتار والصليبيين جميعًا.

فكانت مصر في ذلك العصر هي البلد الإسلامي الآمن؛ إذ أصبحت منذ القرن السابع الهجري مركزًا للخلافة العباسية، فاختارها العلماء وطلاب العلم محلًا لإقامتهم ونشاطهم (١).

وأقبل المماليك على إحياء شعائر الدين، وإقامة المنشئات الدينية، وكانت لديهم رغبة قوية في التعليم والتأليف والكتابة (٢).

فظهر من سلاطينهم من اهتم بهذا الشأن، كالظاهر بيبرس، إذ كان مولعًا بسماع التاريخ، والغوري الذي حرص على إقامة الدروس الدينية والعلمية في القلعة، وحضورها والمشاركة في مسائلها.

وأما أمرائهم فقد اشتغل بعضهم بالتاريخ والفقه والحديث واللغة العربية (٣).

وعظم الثروة العلمية التي وصلت إلينا من عصرهم، خير دليل على ازدهار الحياة العلمية في ذلك العصر.

وبالنظر للمخطوطات التي ملئت دور الكتب في أنحاء العالم، والتي تناولت معظم ألوان المعرفة، والتي ترجع إلى ذلك العصر، إضافة إلى القدر الضئيل الذي طُبع منها، فضلًا عن


(١) انظر: الأيوبيون والمماليك في مصر والشام (ص: ٣٢١) بتصرف.
(٢) انظر: تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام (ص: ٩) بإختصار.
(٣) انظر: الأيوبيون والمماليك في مصر والشام (ص: ٣٢٢) بإختصار.