للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن تكون وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون". (١)

٣/ قال ابن قدامة المقدسي: "من صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور، أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعًا لأطاعوه، خلق الخلق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، قال الله تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]، وقال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥]، ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن، ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل، قال الله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥] ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر أحدًا على معصية، ولا اضطره إلى ترك طاعة، قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] فدل على أن للعبد فعلًا كسبًا يجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره" (٢).

* المطلب الرابع: مسائل في القضاء والقدر، وبيان منهج ابن المحب فيها:

سلك المصنف منهج أهل السنة والجماعة في تقريره مسألة القضاء والقدر، ويظهر هذا جليًا واضحًا في تقسيمه للمسألة، وما أورده فيها من الآيات والأحاديث والآثار وتوجيهها توجيهًا سليمًا ليس فيه تأويل ولا تحريف، مع ذكره لبعض أقوال علماء السلف مما يدل على موافقته لهم في هذا الجانب. ومن ذلك:

[المسألة الأولى: حجاج آدم وموسى]

أفرد المصنف في كتابه بابًا لهذه المسألة وذكر فيه بعضًا من الأحاديث


(١) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٤٤٩، ٤٥٠).
(٢) انظر: لمعة الاعتقاد لابن قدامة (ص: ٢٣ - ٢٥).