للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَالَ آدَمُ: يَا موسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلِمَتِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التِّوْرَاةَ، تَلومنِي عَلَى أَمر قدر عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟، فَحجّ آدَمُ موسَى" (١).

ومن ظن أن في هذا أن آدم احتج على موسى بالقدر على الذنب فقد ضل ضلالًا مبينًا؛ فإن موسى إنما لام آدم على المصيبة التي لحقت الذرية بسبب أكله من الشجرة، والعبد مأمور عند المصائب أن يرجع إلى القدر، فإن سعادة العبد أن يفعل المأمور ويترك المحظور ويسلم للمقدور، وإلا فآدم قد تاب من الذنب، وموسى أجلُّ قدرًا من أن يلوم أحدًا على ذنب قد تاب منه وغفره الله له، فضلا عن أنهم أعظم - وهما أعلم بالله - من أن يَظن أحدهما أن القدر عذر لمن عصى الله، وقد علما ما حل بإبليس وغير إبليس، وآدم نفسه قد أُخرج من الجنة، وقد عاقب الله قوم نوح وهود وثمود من الأمم، وقد شرع عقوبة المعتدي، وأعد جهنم للكافرين، فكيف يكون القدر عذرًا للمذنبين؟!.

٩ - عن هُزَيل بن شُرَحبيل (٢)، عن ابن عمر: جاء سائلٌ إلى النبي فإذا تمرة عَائِرَة (٣)، فأعطاها إياه وقال النبي : "خُذْهَا لَوْ لم تَأْتها لأَتَتْكَ". رواه أبو حاتم بن حبان (٤).

٣ - باب الإيمان بالقدر والرضا بالقضاء الذي يرضى الله بالرضى به (٥).

والإيمان بالقدر أربع مراتب لا يكون العبد مؤمنًا به حتى يستكملها: العلم السابق،


(١) رواه ابن بشران في الأول من أماليه برقم (٨٥٩).
(٢) هُزَيل بن شرحبيل الأودي الكوفي، ثقة، "مخضرم، من الثانية. خ ٤. التقريب (رقم: ٧٢٨٣).
(٣) العائرة الساقطة لا يعرف لها مالك. غريب الحديث للخطابي (١/ ٤٨٠)، والنهاية لابن الأثير (٣/ ٣٢٨).
(٤) رواه ابن حبان في صحيحه برقم (٣٢٤٠). قال شعيب الأرنؤوط - "محقق صحيحه - (٨/ ٣٣): إسناده قوي، رجاله ثقات رجال الصحيح.
(٥) إنّ العبد ينبغي له أن يَرضَى بالقضاء. وفي ذلك وجوه:
أحدها: أن الرضا ليس بواجب في أصح قولِي العلماء بل يُستحبّ، وإنما الواجبُ الصبر، والصبر لا يُنافي الشكوى.
الثاني: أن الرضا لا يُنافي القضاءَ مطلقًا، بل يَرضَى في الحاضر، ويسأل الله في المستقبل أمرً آخر، فإن الرضا إنما يكون بعد القضاء، والدعاءُ إنما يكون بطلب مستقبل أو دفعِه، فالرضا بما مضى لا يُنافي طلبَ زوالِ المستقبل.
الثالث: أن اختلاجَ المصيبةِ في السر لا يُنافي الرضا باتفاق العقلاء، ولا يدخل هذا في التكليف، فضلًا عن أن يكون ذنبًا.
انظر: جامع المسائل (٤/ ٧٤ - ٧٥).