للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكلا القولين خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها؛ فإنهم متفقون على أنه ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ومجمعون على أنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأن الكفار يبيتون ما لا يرضى من القول والذين نفوا محبته بنوها على هذا الأصل الفاسد (١).

ويقال لهم: هذا إنكار لحقيقة لا إله إلا اللَّه؛ فأن الإله هو: المألوه المستحق لغاية الحب بغاية التعظيم فنفوا هذا المعنى بتسميته مناسبة كما نفوا محبته ورضاه وفرحه وغضبه وسخطه وكرامته ورأفته ورحمته وضحكه وتعجبه بتسميتها كيفيات محسوسة، ونفوا حياته وسمعه وبصره وقدرته وكلامه وعلمه بتسميتها أعراضًا، ونفوا أفعاله بتسميتها حوادث، ونفوا علوه على خلقه واستوائه على عرشه والمعراج برسوله إليه بتسمية ذلك تجسيمًا وتركيبًا (٢).

الرد على حجتهم الثالثة: يقال لهم: الجواب من وجهين:

أحدهما: الإلزام وهو أن نقول: الإرادة لا تكون إلا للمناسبة بين المريد والمراد وملاءمته في ذلك تقتضي الحاجة، وإلا فما لا يحتاج إليه الحي لا ينتفع به ولا يريده، ولذلك إذا أراد به العقوبة والإضرار لا يكون إلا لنُفرة وبغض، وإلا فما لم يتألم به الحي أصلًا لا يكرهه ولا يدفعه، وكذلك نفس نفع الغير وضرره هو في الحي متنافر من الحاجة، فإن الواحد منا إنما يحسن إلى غيره لجلب منفعة أو لدفع مضرة وإنما يضر. غيره لجلب منفعة أو دفع مضرة فإذا كان الذي يثبت صفة وينفي أخرى يلزمه فيما أثبته نظير ما يلزمه فيما نفاه لم يكن إثبات إحداهما ونفي الأخرى أولى من العكس ولو عكس عاكس فنفى ما أثبته من الإرادة وأثبت ما نفاه من المحبة لما ذكره لم يكن بينهما فرق وحينئذ فالواجب إما نفي الجميع ولا سبيل إليه للعلم الضروري بوجود نفع الخلق والإحسان إليهم وأن ذلك يستلزم الإرادة وأما إثبات الجميع كما جاءت به النصوص وحينئذ فمن توهم أنه يلزم من ذلك محذور فأحد الأمرين لازم: إما أن ذلك المحذور لا يلزم أو أنه إن لزم فليس بمحذور.

الجواب الثاني: أن الذي يُعلم قطعًا هو: أن اللَّه قديم واجب الوجود كامل، وأنه لا يجوز عليه الحدوث ولا الإمكان ولا النقص، لكن كون هذه الأمور التي جاءت بها النصوص مستلزمة للحدوث والإمكان أو


(١) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٦/ ١١٥ - ١١٦) والنبوات له أيضًا (١/ ٢٨٧).
(٢) انظر: الصواعق المرسلة لابن القيم (٤/ ١٤٩١).